Saturday, April 27, 2013

كيف نفهم الوضع الراهن؟

كيف نفهم الوضع الراهن؟

هذا المقال مهدي إلي رفيقة عزيزة جدا تقديرا لنضالها و عطائها المتواصل و أملا في المذيد

يمثل فهم الواضع القائم في الحياة السياسية المصرية تحديا. فكيف يمكن أن نتقدم في فهم هذا الواقع؟

أن الثورة المصرية من زاوية منجزاتها السياسية لم تفعل غير أنها استبدلت مبارك بحكم الإخوان. و الإخوان يحملون نفس التوجهات السياسية و الاجتماعية لنظام مبارك و يمثلون أستمرار عمليا له. و يمكن التدليل علي ذلك من نفس السلوك الاستبدادي القمعي تجاه الحركة الجماهيرية و تجاه المطالب الاقتصادية و نفس الانحيازات في السياسية الخارجية و الاقتصادية. غير أن هذا ليس كل شيء لأن الإخوان و أن كانوا يمثلون توجهات نظام مبارك العامة إلا أنهم يتميزون بثلاث أمور بالغي الأهمية:
أولهما أنهم يأتون من خارج النظام السياسي لمبارك
و ثانيهما أنهم يحملون أيديولوجية دينية يمينية رجعية خاصة
و ثالثهما أنهم يستندون إلي قاعدة شعبية حقيقية تربت علي الالتفاف حولهم لعقود.


و هذه العناصر تعقد العملية السياسية الجارية.
فنحن لسنا أمام ممثلين سياسيين لشريحة من الرأسمالية المالكة لكن أمام فصيل سياسي له طبيعة فاشية و هو في نفس الوقت فصيل ديني مسلح ذو أبعاد عالمية. و هذا الفصيل هو المنوط به إنقاذ الرأسمالية التابعة التي تتسيد مصر بعدما أسقطت الثورة نظام مبارك و أجبرت خلفه العسكري علي الرحيل.و كي يحقق نظام الإخوان المهمة الملقاة علي عاتقه من دحر الثورة و قيادة النظام الرأسمالي فهو بحاجة لأمرين متناقضين .
1 - الهيمنة علي مفاصل الدولة
2 – الأمر الثاني المتناقض مع الأول هو ضرورة تجميع شتات الطبقة الرأسمالية الحاكمة.

و الهيمنة علي مفاصل الدولة أمرا ضروريا لفئة سياسية مغلقة قادمة من خارج النظام و تسعي لتثبيت سلطتها و أيديولوجيتها و تسعي أيضا لإرضاء أتباعها و منتفعيها. علي سبيل المثال لم ينشغل المجلس العسكري بالهيمنة علي مفاصل الدولة لأن المجلس العسكري الذي حكم الفترة الانتقالية جاء من ضمن النظام.

و يمكن أن نجد في سلوك الضباط الأحرار عقب انقلاب 1952 نموذجا مماثلا. فالضباط الأحرار أيضا جاؤوا من خارج سلطة الدولة -رغم انهم من أبناء جهاز الدولة -و كان عليهم أن يثبتوا حكمهم و أن يجمعوا حولهم شتات الطبقة الحاكمة. و أن كانوا يتميزون عن الإخوان بتحررهم من روابط الأيديولوجية و القاعدة الشعبية فكان ممكنا لهم تبني ما يشأون من خيارات فكرية و سياسية و أختيار الكوادر التنفيذية لحكمهم من أي منتفع أو صاحب خبره أو تكنوقراط يرونه ملائما. كان الضباط الأحرار هم من حقق منجزات "الثورة" -طرد الملك و الإصلاح الزراعي – بينما الإخوان علي العكس هم من أستفاد من الثورة التي أطاحت بمبارك. لكن في كلتا الحالتين – الإخوان و الضباط الأحرار- كان تجميع شتات الطبقة الرأسمالية أمرا حيويا. و قد نجح الضباط الأحرار في ذلك ببساطة بإعطاء أمتيازات للرأسماليين و بضرب كبار ملاك الأرض لصالح الرأسمالية و بالذات الزراعية و لم ينقلب الضباط الأحرار علي الرأسمالية إلا عقب ترسخ حكمهم و تذايد شعبيتهم بعد حرب 1956 فبدؤوا في ضرب الرأسمالية المحلية لصالح فئة المنتفعين التي تجمعت حولهم و تصاعدت المواجهة بين الطرفين وصولا للقرارات "الاشتراكية"

و منذ عصر الناصرية كانت الدولة المصرية دولة الشخص الواحد. لكن مع قدوم السادات و أعلانه بناء "دولة المؤسسات" أصبحت الدولة المصرية دولة الشخص الواحد الذي يمارس نفوذه اللامحدود عبر مؤسسات منزوعة الصلاحيات و تابعة له.فينما كان عبد الناصر يقيل رئيس تحرير مغضوبا عليه بقرار منه كان خلفاؤه يقومون بنفس العمل عبر المجلس الأعلى للصحافة. و كان من الممكن أن تلغي المحكمة الدستورية مجلس الشعب لعيب دستوري في قانون الانتخابات-عام 96- يعقبه إعادة أنتخاب المجلس لكن كلا من المجلس الملغي و الجديد تابع للحاكم الفرد تبعية مطلقة. و قد ترافق مع صعود الحركة الاحتجاجية-منذ عام 2000- تمرد جهازين أساسيين من أجهزة الدولة و هما القضاء و الإعلام علي نظام مبارك. و حارب مبارك هذه التمردات بكثير من الرشي و ببعض من الغلظة الأمنية فهذه المؤسسات محاطة بما يكفل استجابتها لتوجيهات الحاكم الفرد. و قد رأينا أن تمرد القضاء علي مبارك لم يسفر عن تغيير في استقلال القضاء و لم يسفر تمرد الإعلام إلا عن حريات جزئية ربما ساهمت في تحسين صورة مبارك أمام الغرب.

و حينما قامت الثورة أتضح أن حتي المؤسسة الأهم في جهاز الدولة -الجيش- لم تكن راضية رضاء تاما عن مبارك. و يعكس تمرد المؤسسات هذا في عصر مبارك أمرين علي الأقل أولهما شعور تلك المؤسسات بأن نظام مبارك الشخصي يهدد مصالح الطبقة ككل خاصة بسبب قضية التوريث و ثانيهما الصفات الخاصة بكل مؤسسة استقلال القضاء و حرية الإعلام و يمكن حتي إضافة تهديد الخصخصة للأمن القومي.

إذن فالإخوان من المحتم عليهم أن يسيطروا علي هذا الجهاز الذي عرف أشكالا من التمرد و أن يزرعوا رجالهم فيه ليضمنون ولائه في معركتهم الكبري ضد الثورة و الثوار. خاصة و هم أغراب عن هذا الجهاز العتيد لحد كبير. و لأن الإخوان قادمين تمام من خارج النظام فأن عملية الهيمنة هذه تأخذ أشكالا عنيفة و فجة و قمعية و تستثير هذه الأجهزة و المؤسسات و تدفعها لمذيد من التمرد.

الإخوان يواجهون ممانعة بل و معارضة قوية من الطبقة الرأسمالية لأنها تراهم يستبعدونها من كل نفوذ و يفرضون عليها رجالهم و مفاهيمهم و دستورهم الخ.فمهمة الهيمنة علي مفاصل الدولة تتناقض مع مهمة تجميع شتات الطبقة الحاكمة. خذ مثلا تعيين النائب العام الإخواني الذي تم علي مرحلتين. هذه مهمة ضرورية للنظام الإخواني و إلا أمكن للنائب العام أن يجرهم للمحاكم للجرائم التي اقترفوها. لكن هذه المهمة الضرورية تتعارض مع القضاء و مع الشعور العام بأن هناك سلاح أصبح مسلطا علي رقاب كل معارض. و بالمثل فأن استبدال وزير الداخلية كان حتميا بالنسبة للإخوان للدفاع عنهم في مواجهة الغضب الشعبي مما أدي لغضب الكوادر الوسطي و الصغيرة في الداخلية نفسها التي أصبحت تخدم نظاما لم تعتاد عليه بل و تخشاه. و ما زالت عملية الهيمنة علي جهاز الدولة لم تكتمل بعد كل هذه الشهور و مازالت المؤسسة الأكبر – الجيش- ليست تحت السيطرة الإخوانية

فهل من المحتم أن يقوم الإخوان بتوحيد الطبقة الرأسمالية؟ أن سيطرة الإخوان علي هذه الطبقة سيطرة محدودة للغاية. فنظام مبارك و من قبله السادات فككا رأسمالية الدولة الناصرية و اصبح القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للاقتصاد و أصبحت هناك طبقة واسعة من الرأسماليين بل و تساندهم طبقة أوسع من شرائح الطبقة الوسطي.و هؤلاء هم من حازوا علي أغلبية المقاعد في انتخابات مجلس الشعب عام 2000. صحيح أن الثورة حطمت الجهاز السياسي الرئيسي لهم و هو الحزب الوطني الديمقراطي إلا أنها من ناحية أخري فتحت الباب واسعا أمام العمل السياسي.و كي يستطيع الإخوان أن يحققوا هيمنة حقيقية علي الحياة السياسية لابد لهم من تجميع كل هؤلاء تحت رايتهم في مواجهه الثورة. و هم يحاولون أن يقدموا الرشي لهذه الطبقة لكنهم حتي في هذا يعارضون أنفسهم لأن مطلوبا منهم أيضا الهيمنة علي الاقتصاد. و في القضاء و الإعلام و الجيش و المخابرات و الداخلية تبدي الطبقة تبرمها من السلوك الإخواني. و تقدم لها الثورة مناخا يسمح بالتبرم و النقد بل و النقد اللاذع للإخوان.

و تشكل الأيديولوجية الدينية المغرقة في الرجعية التي يتبناها الإخوان و السلفيين أيضا عائقا أمام كل من الهيمنة و التوحيد. فهذه الأيديولوجية إقصائية و استعلائية و مفارقة للعصر و بينما هي ضرورية للحفاظ علي تماسك الجماعة و ضرورية للحفاظ علي شعبيتها و علي تحالفها مع السلفيين. فالإخوان هم قبل كل شيء Cult أو فئة دينية مغلقة. فهي بطبيعتها تعادي الأخرين.و قد ظهر هذا الدور الأيديولوجي في قضية قرض صندوق النقد و النقاش العبثي الذي دار حول أن كان ربا أم لا. أن أي رأسمالية لا تتواجد إلا مع فوائد البنوك و إذا قبلنا بأن فوائد البنوك تعادل الربا فكل رغيف خبز في مصر به ربا و كل شيء أخر. لكن هذه القضية اكتسبت وزنا لان الربا "حرام" فلا يمكن للنظام الإخواني أن يتراجع عن كونه حراما و لا يمكن له أن يتجاهل القضية بل أنه و أنصاره و حلفاءه يعتبرونها قضية كبري. و لو نظرت لحكمهم من أوله لوجدت أنه كلما يتقدم الوقت كلما يبتعد أو يبعدون عنهم حلفائهم. و الوقائع كثيرة لا تفرضها ضرورات عملية قدر ما يفرضها النظام المغلق علي نفسه و الأيديولوجية الرجعية الغيبية الماضية في التقوقع علي نفسها.و حينما يتحدث الرئيس عن وجود "مؤامرة" فهو يعبر عن مشاعر تلك الفئة المعزولة -الإخوان- التي تسبب لها عزلتها خلف جدرانها التنظيمية و الأيديولوجية خوفا مرضيا من العالم.

و قبل أن ننتقل للصورة علي الجانب الأخر للثورة يجب أن نعيد تأكيد أن تلك التناقضات بين الطبقة الحاكمة هي تناقضات ثانوية هامشية بالقياس مع تناقضاتها مع الثورة و قواها. بل أن هذه التناقضات لم يكن لها أن تتفتح لهذا المستوي لولا أن سوط الثورة يلهب ظهرها و يدفعها للأمام. و في نطاق هذا المقال لن أتناول تناقضات الواقع الدولي مع التأكيد أنها تتشابك تشابك لا أنفصام له عن تناقضاتنا المحلية. و أرجائها يأتي فقط بسبب أتساعها و تعقدها.

فما هي تناقضات الطبقات الشعبية و الحراك الثوري التي تتفاعل مع تناقضات الطبقة الحاكمة تلك؟

أن حجر الزاوية في فهم تناقضات الطبقات الشعبية هو أن الثورة قامت ضد نظام رأسمالي تابع بينما الشرط التاريخي لا يسمح بعد بالتخلص التام من الرأسمالية كنظام اجتماعي. الاشتراكية بديلا عن الرأسمالية لكن منذ فشل الاشتراكية – كما تحققت في الواقع – أصبح بديل الرأسمالية الناجز الاشتراكي ينتظر أن تتطور حركة الشعوب و تتطور الأفكار النظرية كي تعود الاشتراكية كنقيض كامل للرأسمالية هدف منظور لحركة الشعوب . و أصبح علي الشعوب المقاومة أن تضع لنفسها أهدافا مرحلية -في صورة الديمقراطية الشعبية – تحتفظ بالنمط الرأسمالي لكن تحت سلطة الطبقات الشعبية المتحالفة. فنحن نسعى للذهاب لمكان جديد لا نعرف الطريق له بالضبط و لا نعرف ما هو بالضبط. هذا هو التناقض الأول و الحاكم لتطور حركة الثورة. و يمكن تسميه هذا بتناقض (وضوح الرؤية) مع ادراك أن الرؤية لا تتحقق إلا بممارستها في الواقع.

التناقض الثاني – و هو المستمد من الأول أيضا – يتمثل في أن الحركة الشعبية المقاومة طوال أكثر من قرن كانت تسير أما خلف الطبقة الرأسمالية الحاكمة أو جناح من أجنحتها. فثورة 19 قادها باشا هو سعد زغلول و تبعه باشا أخر هو مصطفي النحاس ثم كان رئيس الجمهورية عبد الناصر. و عقب أنتهاء الحقبة الناصرية لم تعرف مصر حركة ثورية واسعة المدي مثل تلك التي تفجرت عقب ثورة يناير 2011 و لأول مرة أصبح علي القوي الشعبية أن تفرز قيادة مستقلة عن الرأسمالية بل و في مواجهه الرأسمالية. و بلورة مثل هذه القيادة الثورية بعيدا عن النظام بل و في مواجهه النظام هي جوهر هذا التناقض الثاني. لقد نجحت دول أمريكا اللاتينية في كسر هذا الحاجز جزئيا حينما نجحت في بناء قيادة شعبية مستقلة عن الطبقات الحاكمة. و لذا رأينا رؤساء جمهوريات عمال و ماسحي أحذية. و مما يعيق تطور الأمر في هذا الاتجاه أوهام بعض القوي الثورية عن اليمين الديني و هي الأوهام التي ظهرت جليا في من صوتوا لمرسي و من قالوا عن الإخوان أنهم رأسمالية إصلاحية هذا الدعوات التي أسقطها الواقع العياني بلا رحمة. و يمكن تسميه هذا التناقض "جده الطريق" من "جديد"

و التناقض الثالث الذي يحكم الحركة الثورية هو تناقض واقع الطبقات الشعبية نفسها و مستوي إدراكها لكونها طبقات ذات مصالح سياسية و اقتصادية و ثقافية مختلفة عن مصالح النظام بل و متناقضة معه. و أكبر دليل هو الحركة العمالية التي اقتربت من دخول عقدها الثاني من الكفاح المتواصل بينما ما زالت تدور حول إصلاحات جزئية تافهه و لم تتصدي بعد لقضاياها الرئيسية. و من هنا خطورة الاتجاهات الإصلاحية المنتشرة وسط الحركة العمالية و القوي الثورية و التي تحصرها في العمل النقابي بل و العمل النقابي الضيق. و هذا هو تناقض "ضعف التنظيم" المشهور و ضعف التنظيم و ضبابية الرؤية وجهان لعملة واحدة.

و رغم هذه التناقضات العميقة في حركة الشعب المقاوم فأن قضية المقاومة تكتسب كل يوم زخما جديد. حتي أصبحت مقاومة الإخوان حركة جماهيرية شعبية مستقلة عن الأحزاب و القوي السياسية و تمارس نفسها بشكل واسع حتي برغم الأحزاب و القوي الثورية أحيانا. و تقدم تناقضات الطبقة الحاكمة و في القلب منها سلطة الإخوان ذادا جديدا كل يوم لإشعال مقاومة الشعب.


No comments:

Post a Comment