Saturday, February 23, 2013

عودة حكم العسكر

عودة حكم العسكر

دار جدل واسع مؤخرا حول "حكم العسكر" في صفوف القوي الثورية و حتي وسط عموم الشعب. و أنصار عودة العسكر حجتهم المعلنة هي "وطنية الجيش" و هي حجة بلا أقدام لكن مضمون موقفهم أن العسكر هو القوة الوحيدة المنظمة القادرة علي مواجهه الإخوان و هذا أمر صحيح لا غبار عليه. علي الطرف الأخر فأن معارضي حكم العسكر يستشهدون بالجرائم المروعة التي ارتكبها المجلس العسكري الأعلى في فترة حكمه من اعتقال الآلاف و التعذيب و القتل و حتي المجازر الواسعة كما حدث في ماسبيرو و محمد محمود. و رغم أن حجة المعارضين لحكم العسكر هذه سليمة لكنها ليست كافية لرفض حكمهم لأن الاعتقال و القتل و المجازر لازالت تدور.


أن رفض أو قبول حكم العسكر يجب أن يتأسس علي الطبيعة الطبقية لهؤلاء العسكر من الناحية الأساسية و هذا ينسحب علي الإخوان و علي أي قوة أخري. أن القيادة العسكرية هي جزء أساسي من الطبقة الحاكمة التي استبدت بالبلاد و أصبحت تابعة للولايات المتحدة و قامت بهجوم واسع النطاق علي الطبقات الشعبية أدي لإفقار نصف الشعب و تدهور واسع في كل الخدمات. أن العسكر من الناحية الأساسية لا يفرقون عن الإخوان و هم كانوا حلفاء علي كل حال معظم فترة الحكم العسكري.فاستبدال العسكر بالإخوان لن يعني أي تغيير في السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و في الحريات العامة. بل أن انقلاب عسكري الآن ربما يقطع الطريق علي نمو القوي الثورية كما حدث في أنقلاب 52 تماما. و لا يمكن للقوي الثورية إلا أن تعارض بكل حزم أي انقلاب عسكري قبل و بعد وقوعه.

علي أن الأمر لا ينتهي هنا. فالحكم القائم الآن هو حكم الإخوان بدون جدال. و العملية الثورية و قوي الثورة لابد و أن يكون تركيزها علي إنهاء هذا الحكم الفاشي. فالدعوة لمعارضة انقلاب عسكري محتمل لا تصب في نهاية الأمر إلا في مصلحة الإخوان. و الإخوان يدركون جيدا أن القوة العسكرية هي القوة المنظمة المناوئة الوحيدة القائمة خاصة بعد تدجين وزارة الداخلية لحد كبير. أي أن من يصبون هجومهم الآن علي العسكر في الحقيقة يساندون الإخوان موضوعيا. أما الادعاء بمواجهة الإخوان و العسكر في نفس الوقت فهو أدعاء ساذج لا يفصح فقط عن رطانة ثورية بلا طحين لكن أيضا عن غياب تصور لتطور العملية الثورية برمتها لا يقل عن هؤلاء الذين يطالبون العسكر بالعودة للحكم.

فإذا كان حكم العسكر مرفوضا و حكم الإخوان مطلوب إنهاؤه فما هو الخيار البديل؟ الخيار البديل و الأفضل بالنسبة للقوي الثورية هو استلام الحكم من قبل جبهة شعبية تضم القوي الشعبية و الثورية و تعبر عن تحالف طبقي جديد يقود البلاد و يحقق مهمات الثورة. أن شعار عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية لا يمكن له أن يتحقق بدون وجود أصحاب المصلحة في هذا الشعار في مقاعد الحكم. أي العمال و الفلاحين و الموظفين و المثقفين و مجمل الطبقات الشعبية. و لكن حتي الآن لم تستطيع الطبقات الشعبية أن تبلور مثل هذا البديل و تؤسس لهذه الجبهة الشعبية القادرة علي أن تشكل طرفا ثالثا. و رغم ذلك فقد حدث تطور كبير في هذا الاتجاه أولا بزيادة الوعي الشعبي و ثانيا ببناء منظمات عديدة مستقلة تمثل هذا الطرف أو ذاك من الطبقات الشعبية. أي أن القوي الشعبية المنظمة مازالت في مرحلة البناء و أمامها شوطا طويلا تقطعه كي تصل لتشكيل بديل ثوري جاد. و هذا البديل الثوري لا يتصور أن يكون كيانا علويا منفصلا عن الشعب مثل جبهة الإنقاذ علي سبيل المثال بل لابد له كي يكون شعبيا حقا أن يستند إلي مؤسسات شعبية جديدة تمارس السلطة و الاحتجاج و تجربة العصيان المدني و تطورها كفيل بوضع أسس راسخة لبناء جبهة شعبية حقيقية إذا انتبهت القوي الثورية بشكل كافي لأهمية هذه الجبهة.

لكن هذا ليس كل شيء فيما يتعلق بالعسكر و الإخوان. فمن المسلم به أن الإخوان لن يتركوا السلطة ببساطة. و بشكل عام لا يمكن أن تنجح ثورة دون سند عسكري قوي. في ثورة يناير 2011 كان السند العسكري هو المجلس العسكري الأعلى نفسه الذي أطاح بمبارك في انقلاب صامت لصالح بقاء نظام الحكم. و في الثورة الليبية و السورية شكلت المعارك العسكرية الواسعة و انشقاق الجيش الأداة العسكرية لتثبيت قوي الثورة رغم أنها لم تنجح في تبديل الحلف الطبقي الحاكم.أي أن البديل الثالث و الجبهة الشعبية كي تنتصر ثورتها و تتخلص من حكم الإخوان لابد لها من سند عسكري. سواء تحقق بالطريقة المؤلمة عبر حرب أهلية واسعة تتضاءل لجانبها الحرب السورية أو عبر مساندة المؤسسة العسكرية القائمة للجبهة الشعبية نفسها. فهل يمكن أن تساند المؤسسة العسكرية التي تنتمي للطبقة الحاكمة الآن جبهة شعبية تنتمي لطبقات الشعب؟

أن هناك تجارب تاريخية كثيرة لتجاور سلطة شعبية مع سلطة من الطبقات الحاكمة . و في الحقيقة ففي السنة التي أعقبت الثورة كان هذا هو شعار القوي الثورية المعروف باسم مجلس رئاسي مدني يحكم إلي جانب القوات المسلحة التي تقتصر مهمتها علي تأمين البلاد.

هل معني هذا أن تتحالف القوي الثورية مع العسكر ضد الإخوان كما تحالف الإخوان معهم ضد القوي الثورية؟ أن من المبكر الحديث عن مثل هذه التحالفات الآن حتي تنضج القوي الثورية بشكل كافي و تؤسس مرتكزاتها الشعبية. لكن أقرب مثل أمامنا هو بورسعيد حيث بدأت بوادر مبكرة لسلطة شعبية من قلب العصيان المدني تتجاور مع الجيش الثاني . لكن علينا أولا أن نبني جبهتنا الشعبية و ألا ننحرف عن تركيز كل الجهود للإطاحة بنظام الإخوان الفاشي.

No comments:

Post a Comment