Monday, September 13, 2010

ما هي الاشتراكية؟

ما هي الاشتراكية؟

حينما أختفي الاتحاد السوفيتي أعلن كثيرين موت الاشتراكية لكن بعد ذلك بعقدين و وسط الأزمة العالمية أكتشف الجميع أن الاشتراكية ما زالت حية و ما زالت تلهم ملايين الناس في كل بقاع العالم. و هذا المقال يحاول عرض أسس الاشتراكية في جزءه الأول، ثم يناقش مقالا بعنوان "مقدمة في الاشتراكية الثورية"
http://www.e-socialists.net/node/6107

(1)
الاشتراكية هي اتجاه فكري اجتماعي ثوري. يتميز بأنه لا يسعى لتغيير السلطة السائدة و لا يسعى حتى لتغيير طبيعة هذه السلطة – مثلا من ملكية أو ديكتاتورية للجمهورية – و أنما يسعى لإعادة بناء المجتمع كله بكل أنظمته و طبقاته و طرق عمله. الاشتراكية هي حركة ثورية لا تماثلها أي حركة أخري في المجتمع من هذه الزاوية لأن الاشتراكية لا ترفض النظام القائم فحسب أنما مجمل المجتمع القائم.
و جوهر الفكر الاشتراكي يستند إلي رؤية كل مجتمع من خلال تاريخ صراع الطبقات. و تقف الاشتراكية إلي جانب الطبقات الشعبية و المقهورة و المضطهدة و تسعي لتمثيلها أمام باقي المجتمع.
و رؤية الاشتراكية للمجتمع الجديد الذي تنشده تستند من حيث الجوهر إلى تعديل موازين القوي المادية لصالح الطبقات الفقيرة. فحجر الزاوية في الاشتراكية هو أنهاء الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج – مثل المصانع و الشركات و المزارع الكبيرة – و تحويلها إلي ملكية عامة للشعب كله يديرها مباشرة و لصالحه.
و هذه الرؤية نشأت من مكتشفات كارل ماركس في القرن التاسع عشر و هو الذي صاغ الأفكار الأساسية لها ثم توسع التيار الاشتراكي و أصبح يضم اتجاهات و مدارس متعددة. لكنها كلها تستند إلي مفهوم الصراع الطبقي و إلي السعي لحل هذا الصراع لصالح أوسع قطاعات الشعب. و كل مدرسة فكرية لا تتبني مفهوم الصراع الطبقي تضع نفسها خارج التيار الاشتراكي.
و مفهوم الصراع الطبقي يعني من حيث الأساس أن كل مجتمع – منذ انقسام المجتمعات البشرية لطبقات – يحكمه صراعا بين طبقاته المتعددة. و كل طبقة اجتماعية تسلك سلوكا محددا في هذا الصراع يعبر عن مصالحها و عن مستوي وعيها بهذه المصالح و ممكنات حركة الصراع نفسه. و لذا فالاشتراكية لا تسعي لقلب المجتمع و أنما تتنبأ بأن الطبقات الشعبية ستسعى لقلبه و تقف معها. و بشكل خاص فان الطبقة العاملة -التي لا تملك سوي قوة عملها – ستكون في طليعة هذا الانقلاب.
و هناك أمثله لا حصر لها لتوضيح ذلك فمثلا الثورة الإيرانية عام 1979 سعت فيها مجمل الطبقات الشعبية لقلب النظام الاستبدادي رغم أن نفوذ الاشتراكية في إيران كان محدودا. فالاشتراكية لا تصنع الانقلاب و لكنها تتوقعه و تؤيده و تسعي لأن يكون أكثر اكتمالا و تحقيقا للمصالح الحقيقية للناس. و بهذا المعني فالاشتراكية ليست أتجاه سياسي. و هنا يتضح أن الاشتراكية ليست بديلا و لا يمكن أن تكون بديلا عن الشعب. و أن الشعب هو قوة التغيير و هو الذي يقرر كيف و متي و لأي حد تجري هذه العملية .
و الاشتراكية لا ترفض و لا تقف ضد الإصلاح السياسي أو الاقتصادي. بل هي تعمل من أجله فمثلا تعمل من أجل زيادة أجر العمال رغم أن ذلك لن يغير طبيعة الصراع الطبقي ولكنه يساعد في تعبئة الطبقات الشعبية. و يمثل الخيار بين التركيز علي الإصلاح أو الثورة، المعضلة التي تسعى الاشتراكية لحلها حسب الظروف و المعطيات. و أهم تلك المعطيات درجة أستعداد و ميول الطبقات التي ستحقق الإصلاح أو التغيير. و بالمثل لا تستبعد الاشتراكية أي وسيله للوصول لغايتها، بل تبتكر و تتعلم كل يوم وسائل جديدة لكنها كلها رهنا باستعداد الشعب و مبادراته. فمثلا أحد اهم وسائل الاشتراكية ذات الصيت الذائع "السوفيتات" أو المجالس بدأت كمبادرة تلقائية من الشعب.
و يترتب علي هذا أن الاشتراكية هي حركة مكافحة و ليست مدرسة أكاديمية. و قد توصل ماركس إلى أن الطريق الوحيد لفهم المجتمع القائم هو الانخراط في تغييره و أعتبر هذا فارقا كيفيا بينه و بين من سبقوه في محاوله فهم المجتمع. و لذا فالاشتراكية لا تحمل حلولا سحرية و أنما رؤية عامة للمجتمعات و العالم. أنما الحلول تنشأ من الممارسة ذاتها و من التفاعل. و هذا يفسر و جود أتجاهات متعددة و مدارس مختلفه اشتراكية لان ما يصلح لروسيا لا يصلح للصين و ما يصلح لفنزويلا لا يصلح لمصر. و شرط أنتاج مثل تلك الحلول هو تحول الاشتراكية إلي حركة شعبية واسعة. و في مصر لم يحدث هذا طوال قرن من الكفاح الاشتراكي.
لذلك فالاشتراكية ليست دينا له نواميس و طقوس حتي و أن رأينا الكثيرين قد حولوها إلي دين. ليس في الاشتراكية حلال أو حرام. الاشتراكية تقدم رؤية للعالم قابله للنقد و النقاش و التعديل. و قد حصل عبر أكثر من قرن و نصف أن تعدلت و تبدلت أسس نظرية و فكرية كثيرة للاشتراكية. و من أبرز الأمثلة علي ذلك أن ماركس نفسه الذي وضع قواعد هذا الاتجاه قدم تصورا عن ثورة أوروبية شامله لم تتحقق. بل تنبيء بأنها ستندلع من المراكز الرأسمالية الكبرى مثل انجلترا و ألمانيا فحدث العكس و قامت الثورة في المركز المتخلف "روسيا". و بالطبع هناك أمثله لا تحصي عن إضافات للاشتراكية من قبل مئات المفكرين. بل يمكن القول من قبل مئات الملايين من الناس الذين أسفر نضالهم عن تعديل و تصويب الفكر الاشتراكي. و أيضا عن أنحرافات و سقطات كثيرة و أخطاء و خطايا.
و فكرة الاشتراكية عن المجتمع الجديد الذي تنشده فكرة عامة جدا. فهذا رهن بتطورات الصراع كما أسلفنا. لكن حجر الزاوية فيه هو إلغاء الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج و الحكم المباشر للطبقات الشعبية. و لم يحدث أبدا أن ألتقت مثل تلك الشروط في مجتمع كبير بشكل له صفة الدوام. أقرب مثال كان كوميونة باريس التي لم تدم طويلا و التي حتي لم تتح لها الفرصة لتنفيذ برنامجها الثوري. و في الاتحاد السوفيتى و غيرة لم يحدث أن أصبحت الطبقات الشعبية حقا هي الحاكمة بل الجهاز البيروقراطي.
و تقدم الاشتراكية نقدها للعالم القائم حاليا و مجتمعاته في مجالات لا حصر لها تزداد أتساعا كل يوم من الفلسفة للاقتصاد السياسي لنظرية المعرفة لكافة دروب الحياة. و يتمركز النقد الاشتراكي في كل مجال في السعي لتأكيد حرية البشر أفرادا و جماعات و لإنهاء القهر الاقتصادي و الاجتماعي و الفكري. فالفكر الاشتراكي فكر أنساني في المحل الأول.
و من المهم بشكل خاص التوقف عند أخلاقيات الاشتراكية. فهي تلزم نفسها بأرقي القيم الأخلاقية في الوقت الذي ترفض فيه القيم السائدة. تنبع الأخلاق في الاشتراكية من مبدئين مترابطين. الحرية و التضامن. فالأخلاقية الاشتراكية تجعل حرية الأفراد و الجماعات من القهر و الاضطهاد مثلها الأعلى و تضامن البشر معا لتحقيق هذه الحرية ذاتها وسيلتها فلا حرية دون تضامن و لا تضامن بين من فقدوا حريتهم. فالاشتراكية تعتبر البشر كلهم أخوة بغض النظر عن قوميتهم أو عرقهم أو أديانهم أو لغتهم. و لذلك فأن الشعار الأساسي الذي عرفت به الاشتراكية لم يكن مثلا هيا نبني الاشتراكية و لكن "يا عمال العالم أتحدوا" الوحدة طريق الحرية و الحرية شرط الوحدة. فحينما ينتقل فرد للنضال من أجل رفع القهر فهو يحرر نفسه و يفتح أفاقا للتضامن بينه و بين أقرانه. و هذه الأمثلة نراها تعمل كل يوم بدء من النضال المشترك في موقع ما وصولا إلي التضامن العالمي بين مئات الملايين من البشر. أن تضليل المعادين للاشتراكية بالقول أنها لا أخلاقية لا يعنى سوي عدم قدرتهم علي مواجهه أخلاقيتها و عدم قدرتهم علي تصور كيف تزدري الاشتراكية أخلاقهم.
من ذلك نري أن الاشتراكية حركة عالمية بلا حدود. بل حركة تتوقع زوال الحدود التي تفصل بين البشر ذات يوم. و حينما يقع تناقض بين عالمية الحركة و مطالب قطاع ما تقف الاشتراكية إلى جانب المضطهدين دائما. فمثلا في الثورة الجزائرية طرح بعضهم موقف يقول أن علي الاشتراكية ألا تؤيد انفصال الجزائر استجابة لمبدأ العالمية. لكن هذا كان موقف خاطئ فالاشتراكية تقف مع المضطهدين أولا، و هم في هذه الحالة الشعب الجزائري الذي أراد الاستقلال. لذا فالاشتراكية مع استقلال الجزائر. لان التاريخ لا تصنعه الاشتراكية بل تصنعه شعوب العالم المناضلة. و من ناحية أخرى لا يمكن الحديث عن وحدة جزائرية فرنسية أذا كان طرف، "فرنسا"، يضطهد الآخر.
الاشتراكية تقف مع المضطهدين. ليس لأنهم غلابة و لا لان هذا هو العدل و لكن لان المضطهدين هم الذين سيعيدون بناء العالم وصولا للحرية. فالاشتراكية مع الفلسطينيين ضد الإسرائيلي و مع اليهودي ضد النازي، و مع مسلمي أوروبا ضد المتعصبين، في حين انها مع مسيحيي مصر ضد المتعصبين ايضا، و مع النساء ضد الرجال، و مع سكان أمريكا اللاتينية ضد المهاجرين، و مع المهاجرين في أمريكا ضد العنصريين، و مع السود ضد البيض.
و من هنا فالاشتراكية ضد الإمبريالية العالمية، بل هي التي فضحت النظام الإمبريالي و كشفته لعيون العالم. و الاشتراكية حينما تقف مع المضطهدين فهي تدرك أنه لن يحررهم أحدا سوى أنفسهم و حركتهم المستقلة. فالفلسطينيون سيحررون أنفسهم – ربما بمساعدة آخرين – لكن نضالهم المستقل هو ركيزة تحررهم. و النساء لن تتحررن دون حركة نسوية مستقلة مهما سعي آخرين لان يقوموا بأدوار.
وعلى هذا تميز الاشتراكية في فهمها للطبقات الشعبية بين حالين حال الخضوع للمفاهيم الفكرية لمستغٍليهم. و حال أخر تتحول فيه هذه الطبقات لطبقات لذاتها. أي تدرك وجودها المستقل في المجتمع و تناضل لأجل تحقيق مصالحها. تسعي الاشتراكية إلى أن تصبح كل الطبقات و الفئات المضطهدة من هذا النوع الأخير.و في الحقيقة لا تكون الطبقات الشعبية دائما مدركة لمصالحها بل يمكن أن يؤدي تعقد الصراع إلي تبنيها لأفكار رجعية معادية مباشرة لمصالحها. فالاشتراكية لا تقف مع كل شيء شعبي – فهذه هي الشعبوية – الاشتراكية تقف مع حركة الطبقات الشعبية المناضلة من أجل رفع القهر عنها.
و لا يمكن تقديم الاشتراكية دون الوقوف عند أبرز تجاربها و هو الاتحاد السوفييتي الذي أنهار و تفتت. لقد كان الاتحاد السوفييتي تجربة أشتراكية فاشلة. فشلت بحكم عوامل كثيرة في الصراع الطبقي داخل و خارج الاتحاد السوفيتي نفسه. بل كان محكوما عليها بالفشل منذ يوم قيامها. و بصرف النظر عن أسباب هذا الفشل – و هو أمر محل نقاش كبير - فأن التجربة قدمت لشعوب العالم خدمات بلا عدد. فبدون الاتحاد السوفييتي لم يكن يمكن أن تنطلق حركات التحرر في العالم و تنجح. و من عدم الأمانة مقارنه الاتحاد السوفييتي بالإمبريالية العالمية. مقارنه من بني السد العالي بمن وقف في طريق بناءه. أن شعوب العالم مدينة بالكثير لهذه التجربة الفاشلة. و بينما لا يمكن الدفاع عن كل موقف للاتحاد حتي في قضايا مساعدة حركات التحرر. لا يمكن أيضا أرجاع هذه المساعدات إلي مجرد مصالح دولية من نوع الرغبة في الوصول للمياه الدافئة. و إلا لما لا تقوم روسيا الحالية بنفس الدور و هي تملك الإمكانات و لديها نفس المصالح؟. و لتقريب المفهوم فبينما نري النظام الناصري بعيدا عن الشعب لا يمكن أن نساويه بنظام السادات الذي كان بعيدا أيضا. فإذا كانت تجربة فاشلة قدمت ما قدمت فأن هذا يؤشر للقدرات اللامحدودة للاشتراكية حينما تنجح.
و بسبب تجربة الاتحاد السوفيتي دمغت الاشتراكية في عيون الكثيرين بأنها أستبدادية. علي الرغم أن للاشتراكية تجارب ديمقراطية باهره تجاوزت كل ما نسمعه و نراه مثلا كوميونة باريس. و حقيقة الأمر انه إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب من الشعب و لأجل الشعب. فالاشتراكية هي الديمقراطية. أما أذا كانت تعني ذلك النظام القائم في المجتمعات الغربية فالاشتراكية لم تقم إلا لمعاداة هذا النظام. فعند الاشتراكية لا يمكن فصل السلطة السياسية عن الهيمنة الاقتصادية. و لذا فمن المستحيل تحقيق حكم الشعب في مجتمع تسيطر فيه قلة علي الثروة. و كل المجتمعات الغربية ذات النظام البرلماني التمثيلي هي من هذا النوع. و دلائل فساد هذا النظام التمثيلي لا مزيد عليها. بل أن هذا النظام سرعان ما يتحول إلي ديكتاتورية فاشية عند أي منعطف – مثلا ألمانيا النازية أو الحرب الأهلية الأمريكية– و الأدهى أنه يمارس ديكتاتورية عالمية من خلال السيطرة علي الشعوب المضطهدة. الاشتراكية تعتقد أن علي الناس أن تحكم نفسها و ليس فقط أن تنتخب ممثلين للبرلمان. و علي الناس أن تقرر كيف يتم توزيع الموارد و ليس الشركات الكبري التي تتحكم بموارد الأمم و تقرر فيها كيفما تشاء حتي في الديمقراطيات التمثيلية. الديمقراطية عند الاشتراكية هي سلطة الشعب و كل قطاع منه علي مقدراته في جميع المجالات. و بالنسبة لمصر فنظامها السياسي هو أسواء من النظام النيابي التمثيلي. فالقلة لا تحتكر الثروة فحسب بل أيضا كل شيء في المجتمع و تقمع من يعارضها. لذا أذا حدث و أنتقلت مصر إلي النظام التمثيلي الديمقراطي الغربي سيكون هذا شيئا إيجابيا من وجهه نظر الاشتراكية لكنه لن يكون مثلها الأعلى. الاشتراكية لا تريد للشعب أن يتلهى بالانتخابات بل تريده أن يقرر كيف ينفق موارد المجتمع و كيف ينميه و ما هي سياسته الداخلية و الخارجية.
لم تتعرض الاشتراكية في أيامها الأولى لقضايا البيئة التي لم تكن مطروحة أيامها و لكنها أكتشفت أن الرأسمالية تهدر الموارد الطبيعية. و الآن فان مواقف الاشتراكية من البيئة أكثر نضجا بكثير. فالاشتراكية تعتبر الحفاظ علي البيئة الطبيعية للبشر مهمة مشتركة لهم جميعا و هذه المهمة لا يمكن حلها أذا كان البشر تحكم حركتهم السعي اللامحدود للربح. و لا يمكن حلها بشكل كامل أيضا طالما البشر منقسمين و متناحرين.
(2)
يتناول هذا القسم المقال الذي وضعنا رابطه في بداية مقالنا هذا.
نحن هنا أمام تيار قومي ذو مسحة يسارية و هو فوق ذلك تيارا قوميا بدائيا. فبعد أن يعدنا المقال بتقديم "تعريف أولي لليسار والاشتراكية" ينسي هذا مباشرة و يتناول الأمر من منظور مضحك من كان يجلس إلى اليمين و من إلى اليسار. بل و يخلط بين اليسار كحركة سياسية في المجتمع الرأسمالي و ما يتصور "علماء الحق والعدل انه "اليسار"" و هذا أمر ربما جدير بروضة للأطفال و ليس بتعريف الاشتراكية. و أذا بحثت في المقال عن كلمة طبقة لن تجدها إلا مرة واحدة بشكل غائم و هذا يدلك علي مدي اشتراكية المقال. و رغم أن للاشتراكية قضايا بلا عدد ينتقي منها المقال ثلاث كلها تمس الغرض الأساسي له و هي تلطيف الاشتراكية كي تناسب الالتقاء مع اليمين الديني. و هي قضايا الاتحاد السوفيتي و المرأة و العلمانية و الدين.
فعن الاتحاد السوفييتي يخالف المقال حتي مفاهيم التيار الاشتراكي الثوري العالمية حينما يتحدث عن أن الاتحاد السوفييتي أنقلب في "الثلاثينيات " و لا يجد الجرأة ليقول أن الاتحاد السوفييتي قدم خدمات جليلة لمصر أيا كانت طبيعته. و هو الأمر الذي يعرفه كل مطلع أقل أطلاع علي التاريخ الحديث. و رغم ذلك يتحدث عن "العداء للإمبريالية" لكن الخلط في الموقف من الاتحاد السوفييتي منبعه أمر آخر و هو أن هذا المقال كرس نفسه لمداعبة التيار الديني اليميني – الذي يكره الاتحاد السوفييتي للأسباب ذاتهاالتي يقدره الاشتراكيين فيه تحديدا.
المرأة
يردد المقال السخف الجدير بموظف سوفييتي من الدرجة الثالثة حينما يقولون "ندافع عن المساواة الكاملة بين المرأة المصرية والرجل المصري" ليس هذا هو موقف الاشتراكية. الاشتراكية مع النساء ضد الرجال بوضوح و حسم و صراحة. المجتمعات البشرية مجتمعات ذكورية مصممة لخدمة الذكور دون الإناث. و كي نوضح هذا يذهب العامل إلي مصنعه و ينتج قيمة ما، يأخذ قسم منها علي شكل أجر و يستولي صاحب العمل علي الباقي المسمي فائض القيمة. لكن هذا العامل نفسة حينما يذهب لمنزله فأنه يستولى على كل عمل زوجته بدون أي تعويض. بل أن عمل النساء في المنزل لا يحسب أصلا كعمل في الإحصاءات الوطنية. و النساء اللائي يعملن في المنزل – و هن الأغلبية – يقمن بعمل منتج للقيمة بل عملهن هو أساس المجتمع البشري – تربية الأطفال – و لكنهن لا يتقاضين أجرا. هذا أضطهاد من الرجل للمرأة. بل أن القوانين "الثورية" التي تعطي المرأة الحق في منزل الزوجية حال الطلاق تعطيها هذا المنزل رهنا بإكمال عملها في تربية الأطفال، وبعد ذلك او دونه تكون في الشارع. و الاشتراكية كانت دائما مع الحركة النسوية تضامنا و بحثا و مشاركة. و الاشتراكية تري أن هذه الحركة هي المنوط بها تحرير النساء حينما تشتد و يتحقق بناء مجتمع لكل أبناؤه و ليس للرجال فقط. و الاشتراكية تدعو النساء للانضمام لحركة العمال و باقي الطبقات الشعبية للوصول لمجتمع يمكن فيه أن يحققن حريتهن الكاملة. و يفرد المقال جزء مهم للتحدث عن زي النساء تقربا من اليمين الديني و يتجاهل ما ينفره. فيقول أنهم – الاشتراكي الثوري- مع حق النساء في ارتداء ما يرغبن. و يتجاهل أن في مجتمعنا تتعرض النساء غير المحجبات لأشد أنواع المضايقة و حتي التحرش. من قبل أنصار هذا اليمين و الخاضعين لنفوذه الفكري. بل يتم الفصل الإجباري القسري بين النساء و الرجال في الجامعة احيانا و غير ذلك من المظاهر.
ثم يلتوي المقال مرة آخري فيقول "ندافع عن كرامة المرأة وإنسانيتها ضد السلعية الغربية و ضد العبودية الشرقيةأيضا. " و علي الرغم من أن تسليع المرأة حقيقة في "الغرب" فان من عدم الأمانة أن نساوي وضع المرأة في بلادنا بوضعها في "الغرب". إذ في الغرب النساء مضطهدات لكنهن يتمتعن بحرية كونهن مواطنات، وفي بلدنا النساء مضطهدات لكنهن أيضا لسنا مواطنات مثلهن مثل باقي أبناء المجتمع. في الغرب حركة نسوية قوية لها عقود من النضال الشرس أكتسبت العديد من المكتسبات ليس لدينا عشر هذا. مرة أخري يقوم المقال "بتهذيب" الاشتراكية كي تناسب الالتقاء مع اليمين الديني.
و بالمثل يتناول المقال قضية الألحاد و الدين. و يلتوى و يراوغ في الإجابة علي سؤال الألحاد. هذه الإجابة التي يعرفها الجميع. أن الاشتراكية كفلسفة هي فلسفة مادية الحادية. لا مجال للمراوغه هنا إلا لمن يريد أن يخدع نفسه. حقيقة الاشتراكية لا تطلب و لا تشترط الألحاد من الاشتراكيين. و بالقطع من مجمل الشعب لكن يجب أن يكون واضحا أن فلسفتها فلسفة الحادية. و من المزري تجنب إقرار هذه الحقيقة، بل و الكذب الصريح "لا توجد أي علاقة بين الإلحاد والاشتراكية ". و بالطبع يضحك اليمين الديني حينما يقرأ مثل هذا. ثم كلمات تليق مرة آخري بموظف سوفييتي من الفئة الثالثة حول "نؤمن بأن جوهر الدين هو الحق والعدل " مثل تلك الاكلشيهات التي عفا عليها الزمن لن تفيد حتي قضية التقارب بين هذا التيار و بين اليمين الديني. ناهيك عن أن مفاهيم الحق و العدل مفاهيم غريبة عن الاشتراكية و صراع الطبقات. و حول العلمانية لا يجد الكاتب إلا الانكار الصريح لموقف الاشتراكية – هذا أن كان على علم به – و بدل أن يتحدث عن العلمانية يقول أننا مع مقاومة الاستعمار!!. وليس هناك ماهو أكثر بؤسا من هذا. إن العلمانية جزء لا يتجرأ من الديمقراطية البرجوازية. لا توجد ديمقراطية برجوازية دون العلمانية. و الاشتراكية التي تعتزم توسيع هذه الديمقراطية كي تشمل الشعب كله لا تقف مع العلمانية فحسب بل تنتقد التراخي البرجوازي في تطبيقها –أي نفس سعى التيار الاشتراكي الثوري إلى كسب رضا اليمين الديني – و تطالب بالا تترك الثروات الهائلة للجامع أو الكنيسة و هي ثروات الشعب. و الاشتراكية تقف علي نفس المسافة من كل دين و تراه أمرا خاص بكل إنسان أن يقرر فيه. و هي لا تعني مجرد حق الاعتقاد بل أساسا حق الدعوة للمعتقدات. و ليتحدث الاشتراكيين الثوريين في هذا مع أصدقائهم من اليمين الديني الذين يحرقون الكنائس.
ثم ينسي كاتب المقال عنوان مقاله و هو مقدمة في الاشتراكية الثورية و يورد بضع نقاط سياسية كما لو كان لا يوجد في الاشتراكية غير المرأة و الألحاد. أن بؤس المقال يثير الشفقة و لولا أنني وعدت أصدقاء بالتعليق علية لما فعلت. أن الأزمة تدفع الملايين إلي البحث عن حل و الاشتراكية تزعم أن لديها مثل هذا الحل، والأوجب على الاشتراكيين أن يقدموه بحلوه و مره. يقدموه بأمانه دون ألتواء و بعيدا عما يتصوروه مكاسب سياسية. ثم أن واجب الاشتراكيين أن يعززوا أستقلال و تميز الاشتراكية و يبرزوا عمقها في تناول قضايا المجتمع لا أن يطمسوها كي تتناسب حتي مع اليمين الديني.

No comments:

Post a Comment