Friday, December 21, 2012

هل يمكن تجاوز الرأسمالية؟

هل يمكن تجاوز الرأسمالية؟
في البرهنة علي الجمهورية الديمقراطية الشعبية
وضع القضية
في مقال سابق * عن أزمة الثورة المصرية رصدت أن تطور الثورة للوصول لحكم ديمقراطي تعددي يعيقه طبيعة النظام الرأسمالي التابع في مصر. و أن تغيير شكل الحكم من حكم استبدادي لحكم تعددي يستلزم تعديلا ما في طبيعة هذا النظام الرأسمالي. فما هو هذا "التعديل الممكن" و الضروري ؟ أو هل يمكن تجاوز الرأسمالية في مصر بدون الوصول للاشتراكية؟
لماذا يستلزم الأمر "تعديل ما"؟ لأن الرأسمالية في مصر لم تتحول للاستبداد إلا بسبب عدم قدرتها علي تلبية أحتياجات الشعب. بسبب أخفاقها المتكرر و المتتالي.


و لما ليس الإطاحة الناجزة بالرأسمالية؟ لأن مستوي تطور القوي المنتجة من الوعي و العدد و التنظيم لا يسمح بالإطاحة الكاملة بالرأسمالية و قضايا أخري سنعرض لها.
ألا يكفي مجرد "الضغط من أسفل" علي الرأسمالية كي تعيد صياغة شكل الحكم إلي حكم ديمقراطي؟ ربما يكفي أو لا يكفي هذا أمر متعلق بالمستقبل لكن المؤكد أن في ظل التوزيع الحالي للثروة في مصر لا يمكن أن يستمر نظاما تعدديا لأن الشعب سيستخدم كل الأدوات المتاحة لينقذ نفسه من الجوع. و هذا ما نراه حاليا أحتجاجات في طول البلاد و عرضها نابعة من الجوع . و هي الاحتجاجات التي بدأت قبل الثورة بسنوات و استمرت بعدها بزخم أقوي مدفوعه بالإضافة للجوع بتفكك جهاز القمع بفعل الثورة و بروح الثورة الجريئة التي شملت المصريين.لذا فنظام تعددي لن يمكنه البقاء في ظل طريقة توزيع الثروة الحالية.بل أن نظاما تعدديا لا يمكنه أن يستمر في ظل المستوي المنخفض الحالي للاستثمار و الإنتاج أي المستوي المنخفض من الرأسمالية ذاتها.لأن حتي مع توزيع أفضل للثروة القومية الحالية لن يكون هذا كافيا لانتشال عشرات الملايين من البؤس. و لا يمكن أن ينشأ نظاما تعدديا دون كتلة ضخمة من السكان تؤيد و ترضي عن توجهات النظام القائم و سياسته. نحن أذن في حاجة لتعديل ما يجمع بين توزيع أفضل لصالح طبقات الشعب و نهضه تنموية و أيديولوجية مقنعة لقطاع رئيسي من السكان أذا كان لنا أن نصل لحكم تعددي. فكيف يمكن تحقيق كل هذا؟

قوي الإنتاج و علاقات الإنتاج
يقول ماركس في مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ملخصا نتائج أبحاثه " لا يفني أبدا أي نظام اجتماعي قبل أن تنمو كل قواه الإنتاجية.التي لا يزال أمامها متسعا للنمو. و لن تظهر أبدا علاقات إنتاج أرقي قبل أن تنضج في رحم المجتمع القديم شروط وجودها. الإنسانية إذن لا تضع لنفسها إلا المهام التي يمكن حلها و سوف نجد دائما أن المهمة ذاتها لا تطرح نفسها إلا أذا توفرت فعلا الشروط اللازمة لحلها. أو تكون في سبيلها إلى التكوين"

و هذه الفقرة برؤيتها علي واقعنا تنطوي علي تناقض. فمن ناحية أصبح النظام الاجتماعي في مصر عاجزا عن تطوير قواه الإنتاجية بل أصبح يدمرها تدميرا. و لكن هذه القوي الإنتاجية نفسها لم تصل إلي أقصي ما يمكنها من نمو في ظل هذا النوع أو النمط الاجتماعي. أن علاقات الإنتاج القائمة في بلادنا علي العكس هي قيد ثقيل علي نمو القوي الإنتاجية علي الرغم من أن هذه القوي لم تصل لما يمكن الوصول إليه في ظل علاقات أنتاج من هذا النوع. و يجد هذا التناقض حله في أن الهيمنة الاستعمارية هي حاجز تطور القوي الإنتاجية مقرونه بالطبقة المرتبطة بالإمبريالية عضويا. و هذه الهيمنة أيضا مسئولة عن المستوي المنخفض من الرأسمالية الذي بلغته بلادنا. و من ناحية أخري يبدو التناقض الثاني- في المقولة الماركسية- و هو أن المهمة طرحت نفسها -في بلادنا - بينما الشروط الضرورية لتحققها -أي مستوي نمو قوي الإنتاج – ما زالت شديدة التخلف. و يجد هذا التناقض حله أيضا في عالمية التطور الرأسمالي فالوعي بالمهمة لم ينشأ إلا من خارج مجتمعنا من الإنجازات الفكرية في العالم.

و علي الصعيد العالمي يبدو التناقض أيضا لكن بشكل معكوس.فعلاقات الإنتاج سمحت بتطور هائل في قوي الإنتاج في القرن و نصف المنصرم بينما طرحت مهمة تغييرها منذ ذلك الحين. أي أن المهمة طرحت-مهمة تبديل نمط الإنتاج الرأسمالي- و دار نضال شرس من اجل إنجازها و لكنه لم يكلل بالنجاح بل علي العكس استأنفت علاقات الإنتاج السماح بتطوير قوي الإنتاج المتمردة نفسها.و هنا يبدو من الناحية الأخري التأثير المعاكس للهيمنة الإمبريالية بما فيه الصراعات الدموية الوحشية بين الإمبرياليات و بعضها.
أدي فشل ثورات القرن 19 في أوروبا لتطور عضوي في الرأسمالية في العالم حولها للإمبريالية كما وصفها لينين. هذا التطور فتح الباب أمام مزيد من تطوير لقوي الإنتاج عبر الحروب الإمبريالية خصوصا. و أدت الأزمة الرأسمالية العامة في أول السبعينات إلي مزيد من التطور الرأسمالي الإمبريالي ليخذ شكل العولمة التي نعرفها الآن. أن الرأسمالية تتخلص من أزمتها عبر نقلها في المكان و الزمان. نقلها في المكان بالتوسع و في الزمان بالاقتراض.*و أستطرادا فأن ماركس نفسه قد شخص وسائل هروب الرأسمالية هذه من أزمتها عبر التوسع و عبر الاقتراض.

و كي نوضح هذا التداخل نجد أن الأزمة الرأسمالية العامة في السبعينات و التي تم تجاوزها عبر التحول إلي نمط العولمة و ما يسمي النيو ليبرالية. و عبر مناورة الزمان و المكان الرأسمالية. و من أبرز مظاهرها إلغاء نظام بيرتون وودذ و تعويم سعر الذهب 1971. هذه الأزمة العامة مرتبطة بأزمة رأسماليتنا في مصر-أو بالأحرى أزمتنا مرتبطة بالأزمة العالمية - التي بدأت في الظهور عقب الخطة الخمسية الأولى و تعمقت بهزيمة يونيو 67. و التي تجاوزتها رأسماليتنا بالتحول إلي التبعية و كي تصبح رأسمالية كومبرادورية. أي أن الرأسمالية في العالم كي تحل أزمتها امتصت رأسماليتنا الخاصة و رأسماليتنا خضعت لهذا التحول. و في هذه العملية تمت أعادة صياغة الاقتصاد في مصر كي يكون أقتصاد ريعي أساسا. و ليس كل رأسمالية امتصتها الإمبريالية في هذه المرحلة واجهت نفس المصير. و لم يكن هذا هو سلوك المركز مع كل الأطراف فاعتبارات سياسية و عملية جعلت هذا هو نصيب رأسماليتنا لو قارناها مثلا مع كوريا الجنوبية و عموم "النمور الأسيوية". و لكن حتي كوريا الجنوبية و الصين تم أمتصاصهم من قبل النمط الرأسمالي لصالح هذا النمط أيضا.

كيف تحل رأسماليتنا أزمتها؟
فإذا كانت رأسماليتنا الخاصة عاجزة عن مثل هذه المناورات كي تحافظ علي أستمرار تدفق الأرباح و دفع قوي الإنتاج لمزيد من التطور، لأنها رأسمالية تابعة، رأسمالية غير مستقلة،.فكيف أذن تحل الرأسمالية المصرية أزماتها؟
و الفرضية التي أقترحها للإجابة علي هذا السؤال هو أن الآلية الرئيسية التي تواجه بها الرأسمالية المصرية أزماتها في المجال الاقتصادي أساسا هي الانقلاب السياسي. أي أن الانقلاب السياسي محليا هو مقابل مناورة الزمان و المكان عالميا.

ففي المجال السياسي يتبدى العجز المزمن للنظام المصري. فلم ينجح هذا النظام في صياغة نظام سياسي مستقر بأي درجة. فأي نظام مستقر يتطلب مستوي من التعددية تتيح للشرائح و الطبقات الرأسمالية الفرصة كي ترتب بشكل مشترك لحد ما شئون "مجتمعها" لكن أي نظام تعددي يستلزم مسبقا مستوي معين أو "كتلة تاريخية" من السكان تتبني هذا النظام. و يستحيل خلق مثل تلك الكتلة في شروط التفاوتات الطبقية الواسعة. و هذه الكتلة من السكان يفترض فيها أن تكون من الطبقة الوسطي أو البرجوازية الصغيرة و هذه الطبقة بالذات هي أعلي الطبقات صوتا ضد النظام. و الخلق المشوه لرأسماليتنا جعل صغار الرأسماليين أصحاب المشاريع الصغيرة طبقة منكمشة لأبعد حد و جعل الأغلبية الكاسحة للبرجوازية الصغيرة هم الموظفين و من يماثلهم. أن أقدام الرأسمالية المصرية ضعيفة. بل أن في الريف تسود علاقات سابقة علي الرأسمالية و لم تنجح الرأسمالية في تصنيع الريف إلا جزئيا. و تقلص أعداد سكان الريف مقابل الحضر يقابله ذياده هائلة في أعداد سكان الحضر المهمشين و ليس توسع أعداد العمال.

و كنتيجة لذلك، نتيجة لغياب نظام سياسي مستقر و فقر ما يسمي "المجتمع المدني"، تتحول كل أزمة أقتصادية لأزمة سياسية طاحنة. و يحضرني هنا تشبيه غرامشي للمجتمع المدني باعتباره خنادق و حواجز في الطريق أي أن ضعفه يؤدي لسهولة سقوط الدولة. و غياب هذا النظام السياسي هو أيضا الذي جعل من المستحيل لأطراف الطبقة الرأسمالية أن تتلاقي علي حلول وسط لتلك الأزمات بين مصالحها المتعارضة و تفادي طابعها الانفجاري.

يمكن النظر لانقلاب 52 باعتباره أزمة سياسية – و هو حتما ناشئ عن أزمة سياسية مستحكمة – و فيه برزت شريحة بيروقراطية في نهاية المطاف عبر فترة من البونابرتية أصبح لها السيادة ضمن الطبقة الرأسمالية. و كذلك أنقلاب 71 -المسمي ثورة التصحيح- و فيه قام الجناح اليميني في هذه الشريحة البيروقراطية بمصادرة الحكم و أعادة رسم خريطة التحالفات الدولية. و هو بذلك أنقلاب مواز لأزمة النظام الناصري و للازمة الرأسمالية العامة في السبعينات. و ثورة 25 يناير هي نموذج ثالث من الأزمات الرأسمالية التي انفجرت سياسيا مواكبه أيضا للأزمة العالمية التي بدأت عام 2008.و ما شهدناه منها حتي الآن هو صعود الشريحة التجارية الأكثر تخلفا من طبقتنا الرأسمالية.

و الأزمة السياسية ترتدي أيضا بعدا أيديولوجيا فورا. فلم تنجح رأسماليتنا في بناء أيديولوجية تبرر بقائها. فمن الليبرالية الخجول التي تجمع بين عناصر الحداثة و عناصر الماضي الاستبدادي العثماني. إلي الناصرية التي تستعير من الماركسية و من نفس الماضي العثماني و تخرج بتوليفة جديدة عن "الوحدة العربية" إلي العودة للنموذج الإسلامي العثماني في عصر السادات و أن مطعما ببعض الماضي الليبرالي. و أخيرا الإخوان المسلمين و أيديولوجيتهم الرجعية العثمانية و ربما مطعمه ببعض عناصر "الوطنية المصرية" في أرداء صورها. و أستطرادا لا يمكن بناء كتلة تاريخية من السكان مقتنعة بأيديولوجية تكرس النظام القائم دون أساس مادي من مجتمع مدني فعال. ليست الأيديولوجية مجرد نتاج للعقول المفكرة المثقفة التي تدافع عن نظاما ما. بل هي حركة في الواقع الاجتماعي عبر أدوات خاصة

مع كل أزمة سياسية طاحنة تبدل الرأسمالية المصرية جناحها السائد. و يؤدي هذا التبديل إلي عدة أمور هامة لتجاوز الأزمة أهمها قمع الحراك الشعبي و هو السبب الدائم للأزمات. ثانيهما أعادة صياغة التحالفات الدولية. و الرأسمالية في مصر تمتعت كثيرا بفوائض يمكن تسميتها فوائض سياسية* . فمثلا عبد الناصر حصل علي منح و قروض من كل من روسيا و الولايات المتحدة لدعم خطته للتنمية. و حصل السادات علي دعم عربي ثم علي دعم أمريكي و هو المستمر حتي الآن.ثالثا يتم عادة أمتصاص جانب من فوائض الفئة أو الشريحة المهزومة لصالح تلك الصاعدة.و هو ما رأيناه في تأميمات يوليو الناصرية و ما رأيناه و ما زلنا من أندماج سلطة الدولة و بيروقراطيتها مع الرأسمالية الطفيلية التي أحياها السادات ثم مبارك .و ما يمكن أن نراه اليوم أو في المستقبل فيما يخص الفلول.

فإذا كانت الأزمات تحل بالانقلاب السياسي و بتولي شريحة جديدة قيادة الطبقة الرأسمالية ككل. فأن من الواضح أيضا أن تلك الشرائح تزداد توغلا في رجعيتها و في معاداتها للحركة الجماهيرية المستقلة. فانقلاب 52 قضي علي كل التنظيمات الشعبية و كل المجتمع المدني المحدود الذي كان قائما وقتها. ثم أنقلاب مايو 71 رغم فترة قصيرة من رفع شعار الديمقراطية أصبح من أشد أعدائها و تواصل ذلك مع مبارك. و بعد ثورة يناير من الواضح أن نفس الاتجاه و أن بشكل أشد شراسة سيتواصل لمستوي غير مسبوق. فالشريحة الرأسمالية التي تولت -الإخوان- ليست فقط معادية للحداثة و التقدم بل هي حتي معادية لأسس هامة للتطور الرأسمالي -مساواة الفوائد بالربا معاداة النساء الخ الخ

آليات الأزمة السياسية الرأسمالية في مصر
في أزمة 52 كانت هناك عدد من الأطراف تتصارع. الملكية و الوفد و الحركة الشعبية.و قد أدت حدة الصراع بين الأطراف الثلاثة لانهاك الجميع. الوفد فقد سيطرته التقليدية علي الحركة الشعبية. و الحركة الشعبية فقدت القيادة السياسية الواعية. و الملكية تحولت لعدو للشعب. و هذا الصراع الذي لا يجد له حلا سمح لقوة من خارجه أن تسيطر علي السلطة – الضباط الأحرار- و أن تنقذ الرأسمالية عبر أستبعاد الملك و إلغاء الأحزاب و قمع الحركة الشعبية. أي علي جثث الأطراف الثلاث. الأزمة لا تجد لها حلا إلا من طرف خارج الصراع يمكنه أن يقدم حل ولو مؤقت. و في أزمة 71 – ثورة التصحيح – كان هناك اشتباك طويل المدي أثناء حكم عبد الناصر بين الجناح المحافظ و الراديكالي. و بموت عبد الناصر و ببوادر أنتهاء الصراع العالمي بين أمريكا و روسيا. أصبح الباب مفتوحا لشخص قليل الأهمية نسبيا -السادات- أن ينتصر للجناح المحافظ و يتخلص تماما من الجناح الراديكالي السائد و يعيد صياغة توجهات الرأسمالية للتوافق مع التبعية. و قبيل مصرع السادات نفسه كانت هناك أزمة بين كل أطراف المجتمع و السادات التي أدت لحملة الاعتقالات الواسعة التي شنها. لكن لم تكن هناك قوي قادرة علي خوض الصراع من ناحية و لعب التيار الإسلامي الإرهابي دورا هاما في إحباط الصراع. و أزمة الثورة التي نمر بها الآن تشهد صراعا بين القوي الرأسمالية التقليدية و قوي الثورة الشعبية مما سمح لقوة من خارج الصراع نسبيا – الإخوان – أن تستولي علي مقاليد الأمور. آلية الصراع علي خلفية غياب المؤسسات الديمقراطية تتمحور حول أن تنهك القوي الرئيسية بعضها البعض مما يمنح طرف غير رئيسي القدرة علي "القفز" علي السلطة. و هذا هو ما يقوله غالبية الثوار من أن الإخوان "ركبوا الثورة". فلما لا تنجح أحد القوي المتصارعة في حسم الصراع لصالحها؟

يمكننا أن نميز بين أزمات سياسية جزئية -مثل أزمة 71 – و أزمات سياسية مكتملة مثل أنقلاب 52 و ثورة يناير. تتميز الأزمات السياسية المكتملة بأن الطرف الشعبي مشارك أساسي فيها. بينما الأزمات السياسية الجزئية هي انقلابات قصر في المحل الأول. و بالطبع يكمن البعد الشعبي في الأزمات الجزئية غير أنه لا يكون فاعل سياسي مباشر في الصراع. و بينما تقوم القوي الشعبية بالهجوم علي النظام و أنهاكه لا تطرح من جانبها مشروعا مستقلا يتضمن السيطرة علي السلطة. في الأربعينات في التصاعد الشعبي الذي أدي لأزمة يوليو 52 – حقيقة منذ 26 يناير و حريق القاهرة – كانت الحركة الشعبية "تطالب" و لا تسعى جديا لانتزاع السلطة. و في أزمة ثورة يناير و السنوات السابقة لها كانت أيضا الحركة الشعبية تطالب و لا تطرح مشروعا مستقلا يتضمن أنتزاع السلطة. أن هذا "التقاعس" يعكس الضعف البنيوي للحركة الشعبية و الطبقات التي تشارك فيها و القوي السياسية التي تتصدرها. يتحول الصراع في الأزمات المكتملة بين نظام عاجز عن تقديم حلول و حركة شعبية لا تطمح في السلطة و هذا سر أن لا طرف من الأطراف الرئيسية يكسب الصراع بل طرف ثانوي دخيل لحد ما.لأنه لم يكن لدينا أبدا حركة شعبية تجعل السلطة السياسية هدفها الأول. بينما علي العكس كانت ثورة 19 تطرح مشروعا ما يتضمن السلطة السياسية و تصدرتها قوي سياسية و طبقية -كبار ملاك الأرض و البرجوازية الكبيرة- لها مصلحة و برنامج يرتكز علي سيادتها علي المجتمع. و لذا فأن ثورة 19 لم تثب عليها قوة ثانوية من خارج المتصارعين الرئيسيين.

طبيعة التجاوز
لنعد لسؤالنا الرئيسي أذن هل يمكن تجاوز الرأسمالية؟ من الواضح أن الرأسمالية أصبحت "نظاما عالميا" و كل حديث عن تجاوزها كنمط أنتاج مرتبط بتجاوزها علي صعيد عالمي أو علي الأقل علي صعيد عدد كبير من الدول في نفس الوقت. و مثل هذا التجاوز غير متوقع الحدوث في المستقبل القريب. و حتي إذا كان متوقعا فكيف نكون في وضع ملائم للمساهمة فيه؟ من ناحية أخري تجاوز الرأسمالية يعنى الوصول لنظام اجتماعي بديل أكثر تطورا أي الاشتراكية و من ثم الشيوعية. و هنا تواجهنا قضية الإجابة علي سؤال ما هي الاشتراكية؟ فإذا كانت الاشتراكية هي ديكتاتورية البروليتاريا فما هو شكلها السياسي؟ و إذا كانت الاشتراكية هي إلغاء الملكية الخاصة فما هو نموذجها الاقتصادي الذي يتجاوز تحويل الملكية من ملكية خاصة للإفراد لملكية خاصة للدولة ؟ و ما هي طبيعية الدولة القابلة للتلاشي؟ إن الاجتهادات في هذا السياق ربما متعدده لكنها تبقي اجتهادات حتي نري بوادرها في الواقع فعلا. تجاوز الرأسمالية أمامه قضيتين حيويتين أولهما عالمية الرأسمالية و بالتالي عالمية تجاوزها ثانيا نضج النظرية الاشتراكية. هذا أذا تحدثنا عن التجاوز بمفهوم تجاوز نمط الإنتاج أي التحول للاشتراكية.

لكن يمكننا النظر للتجاوز بمعني تجاوز الرأسمالية المصرية المحلية و ليس تجاوز النمط الرأسمالي. أي تجاوز من الرأسمالية إلي الرأسمالية لكن علي أساس أكثر ديمقراطية و شعبية و أكثر استقلال. أن تجاوز الرأسمالية المحلية هو شرط تطوير قوي الإنتاج و الوصول بها لأقصي ما يمكن أن تصله في ظل نفس النمط الرأسمالي. و قد رأينا عشرات من التجاوزات التي حدثت بهذا المفهوم في كل دول العالم تقريبا. ففي مصر كان أنقلاب 52 و ما لحقه من بناء رأسمالية الدولة هو نوعا من تجاوز الرأسمالية المحلية التقليدية. و التحولات اليسارية اللاتينية هي من نفس النوع و تحولات الكتلة الشرقية السابقة أيضا الخ . فالرأسمالية العالمية يمكنها أن تناور في الزمان و المكان بحكم هيمنتها العالمية. أما الرأسماليات المحلية فحدود مناورتها محدودة بسبب خضوعها للرأسمالية العالمية. لذا فأن طريقتها في المناورة تعتمد أساسا علي شكل سياسي جديد.و هذا الشكل السياسي الجديد قد يكون معاديا للشعب و قد يكون حتي فاشيا و قد يكون -في شروط خاصة – علي العكس شكلا شعبيا ديمقراطيا.

لا يمكن تجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي-حاليا- لكن يمكن و يجب تجاوز رأسماليتنا الخاصة. و لكن مثل هذا الاستنتاج يثير عديد من القضايا و المشاكل الفكرية و العملية. و سوف أخصص مقال أخر للجوانب الاقتصادية من القضية.

كيف يمكن أن نجعل التجاوز من الرأسمالية إلي الرأسمالية يأخذ "شكلا شعبيا ديمقراطيا"؟
وما علاقة ذلك بتبدل شرائح الرأسمالية؟
و ما هو موقف الطرف الإمبريالي؟

و هل يمكن أنجاز مثل هذا التحول بفرض وجوده في ظل الهيمنة الإمبريالية الشاملة و غياب كل من صراع الإمبرياليات معا و صراع الإمبريالية مع الاتحاد السوفييتي؟
و ما الذي ستستفيده الطبقات الشعبية من نظام هو في جوهره استغلالي؟

و قبل الإجابة عن هذا السؤال لنسترجع النقاش التاريخي بين البلاشفة و المناشفة .في الصراع النظري بين البلاشفة و المناشفة بدء من عام 1902 أخذ المناشفة موقف أن الحكم القيصري شبه الإقطاعي لابد له أن يزول أولا بقيادة البرجوازية قبل أن تقوم البروليتاريا بثورتها. بينما وقف البلاشفة علي العكس موقف أن البروليتاريا هي المدافع الأصلب عن الديمقراطية و أن قيادتها للتحول الديمقراطي معناها أن يكون هذا التحول أكثر جذرية. و أن البرجوازية إذا تركت لقيادة التحول الديمقراطي ستتفق مع القيصرية دون جدال و تجهض هذا التحول .لذا فأن دور الطبقة العاملة هو قيادة التحول الديمقراطي. كان هذا جوهر الخلاف الذي أدي لانقسام الاشتراكيين الديمقراطيين الروس بين أغلبية و أقلية. لو كان هذا النقاش دار في مصر في 1919 لكن وجيها كل الوجاهة أما أن تنصاع الطبقة العاملة لقيادة البرجوازية و كبار ملاك الأرض للتحرر من الاحتلال و التحول الديمقراطي أو تطرح نفسها كبديل ثوري لإنجاز هذا المشروع بأقصى درجة من الحسم و الجذرية لصالح معظم الشعب. لكن في 1919 كانت طبقتنا العاملة وليدة و بلا حزب ثوري فلم يطرح مثل هذا النقاش أساسا. و في الأربعينات لو طرح مثل هذا النقاش لكان مرة أخري علي الطبقة العاملة أن تسعي لقيادة التحول و الخروج من الاحتلال و التبعية. لكن لم تكن الطبقة العاملة ناضجة بشكل كافي و لم تكن أحزابها مستقيمة بشكل كافي. و الآن فأن لدينا طبقة رأسمالية مسيطرة و سيطرتها اهترأت رغم أنها لم تنجز حقا التحول الديمقراطي بل أنهت الاحتلال كي تقع بعده في التبعية السياسية و الاقتصادية. فيصبح السؤال هو هل آن الأوان كي تقوم الطبقة العاملة بقيادة التحول الديمقراطي؟

أن قيادة الطبقة العاملة لحلف طبقي شعبي يتكون من الفلاحين و فقراء المدن هي الترجمة العملية لقيادة الطبقة العاملة للتحول الديمقراطي. و هذا يعني أن استيلاء هذا الحلف الطبقي علي السلطة سيؤدي إلي مجتمع رأسمالي من حيث الجوهر أيضا و لكنه رأسمالي مدفوعا لأقصي ما يمكن الوصول له في ظل هذا النمط الإنتاجي.و هذا هو أيضا معني ما قلناه أنفا عن "التجاوز من الرأسمالية إلي الرأسمالية يأخذ شكلا شعبيا ديمقراطيا"

دعنا نبحث الأمر بشكل معكوس هل سيستمر ما يسمي "التحول الديمقراطي" للأبد ؟ هل قدرنا أن نظل محبوسين في نطاق مثل هذا التحول؟ من المؤكد أن الوصول بالمجتمع لأبعد من الرأسمالية -كنمط أنتاجي- يشترط أول ما يشترط سيطرة الطبقة العاملة وحلفائها علي السلطة السياسية.و بالتالي فأن قيادة الطبقة العاملة للتحول الديمقراطي هي نفسها قيادتها للثورة الاشتراكية. و هذا ما كان يقصده البلاشفة في حوارهم السابق مع المناشفة. القضية هنا تنحصر في طبيعة نمط الإنتاج الممكن بناؤه في شروط التخلف . بمعني أخر لو نجحت طبقتنا العاملة في حيازة السلطة السياسية و الاحتفاظ بها لن نتوقع قيام ثورة أخري من أجل الاشتراكية اللهم إلا ثورة ثقافية أو تكنولوجية. و من الجلي أنه لا يمكن في شروط مصر الحالية و في شروط العالم بناء اشتراكية مباشرة عقب استيلاء الحلف الشعبي علي السلطة.

ما علاقة هذا الطرح بقضية تبدل شرائح الرأسمالية المصرية و الأزمة السياسية كحل لأزمة الرأسمالية المصرية العامة؟ ستظل الرأسمالية المصرية تعاني من الأزمات المتتالية كجزء لا يمكن فصله عن طبيعة نمط الإنتاج و عن طبيعة هذه الرأسمالية المتخلفة. و ستظل هذه الأزمات تحدث في الاقتصاد و تتجلي في السياسة. و لن يكون بإمكان الرأسمالية المصرية حل تلك التناقضات التي تعصف بأحشائها إلا عبر تبديل شرائحها سواء عن هذا الطريق أو ذاك. أي أن النافذة ستفتح مرة بعد مرة أمام الطبقات الشعبية كي تحسم أمرها و تخوض الصراع لنهايته بغرض الوصول للسلطة السياسية و ليس بغرض المطالبة و محاولة تعديل النظام من خارجه. و قد أوضحنا أن الطبقات الشعبية خسرت مرة حينما فتحت النافذة في أزمة أنقلاب 52 و ها هي تتاح أمامها فرصة جديدة بثورة 2011 و كان حتي يمكن أن تخلق الطبقات الشعبية أزمات من هذا النوع لو لديها العزم السياسي و التنظيمي في مراحل مختلفة بين التاريخين. أن غياب الحريات السياسية و التعددية يضعف من البناء الرأسمالي للمجتمع – و هذا هو أصلا سبب أنتهاج الديمقراطية التمثيلية في الرأسماليات الأكثر تطورا – و بالتالي يفتح الباب لدخول الشعب. فعلي قوي الشعب الحية إلا تنهك الطرف الرأسمالي المهيمن و تستنكف عن محاولة أقتناص السلطة السياسية فتكون بذلك موضوعيا تعمل لصالح طرف رأسمالي أخر.

بالطبع لن تكتفي الإمبريالية العالمية بالوقوف موقف المتفرج. و هي لم تفعل هذا في سياق ثورة 2011 بل وضعت كل ثقلها خلف الطرف الرأسمالي الإخواني الذي "وثب" علي الثورة. و لم يكن هذا الطرف الإخواني ليصل للسلطة لولا هذا الدعم. و هي بالقطع لن تقف إلا موقف المعارضة لتولي حلف طبقي شعبي للسلطة في بلد في مثل أهمية مصر. و علاوة علي ذلك فأن الصراع بين الإمبرياليات تراجع لصالح عالم رأسمالي واحد معولم بقيادة الولايات المتحدة. مما ضيق هامش المناورة أمام الرأسماليات المتخلفة. و لم يعد هناك أتحاد سوفييتي و كتلة شرقية. كل هذا يصب في وحدة المعسكر الإمبريالي إزاء كل حركة تحررية و إزاء كل ثورة و خصوصا إزاء أي سلطة شعبية. لكن هذا الوضع العالمي يحمل نقيضه أيضا. و علي قوي الثورة أن تري هذا النقيض. و هو أن بسبب وحدة الإمبريالية نفسها هذه أصبحت قدرتها علي معالجة أزماتها أكثر صعوبة و تعقيدا. فقد كانت الحروب و ما تعنيه من تدمير واسع النطاق لقوي الإنتاج في البلدان الإمبريالية و ما تعنيه من أمتصاص الفائض المتراكم حجر الأساس في تجاوز الأزمة الرأسمالية. فأزمة 1929 لم تجد حلها النهائي إلا بعد أندلاع الحرب العالمية الثانية. فهذه الحرب كانت الأزمة الاقتصادية أحد أهم دوافعها. فالتوافق الإمبريالي و جبهتها الموحدة إزاء قوي الثورة يقابله ضعفها عن حل أزمتها الذاتية. و علاوة علي ذلك فأن تعقد الساحة السياسية العالمية و تشوشها في ظل تعدد الأقطاب جعل من الناحية السياسية موقفا موحدا للرأسمالية في العالم أمرا من العسير الوصول أليه. غير أن أهم عنصر هو أن قدرة الإمبريالية علي التدخل العسكري في دول العالم الثالث تهاوت مع تنامي القدرات العسكرية للشعوب لم تفقد الإمبريالية قدرتها علي التدمير بل تضاعفت هذه القدرة لأبعد حد. لكن في المقابل تهاوت قدرتها علي الهيمنة و الاحتفاظ بما دمرته و انتهت لغير رجعة قدرة أنجلترا علي إرسال بضعة مدمرات في 1882 كي تحتل مصر لمدة 70 عاما بعدها. و الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن ممكنا له أن يتواصل لولا خيانه الرجعيات الدينية التي حولت المقاومة لحروب طائفية. و ها هي أصغر الدول في أمريكا اللاتينية تتمرد علي السيد الأمريكي دون قدرة له إلا علي القيام بمؤامرات و دسائس فقد أنتهي عصر إرسال المارينز لتك الدول. الأزمة العالمية و أمتدادها المحلي لا يفتح الباب فقط للثورة و لكنه أيضا يقدم الشروط الضرورية لانتصارها إذا أحسنت قوي الثورة أستغلالها.

فما الذي يمكن للطبقات الشعبية أن تجنيه من قيام سلطة ثورية شعبية لكنها في نطاق الرأسمالية؟ بما أن هذه السلطة قائمة في نطاق الرأسمالية فأن هذا يعني أستمرار عبودية العمل المأجور و أستمرار نهب فائض القيمة و أستمرار أساس المجتمع. هذا كله صحيح تماما. لكن السلطة الشعبية ستعيد بناء الاقتصاد الرأسمالي كي يكون أقتصاد رأسمالي حقا و ليس مجرد اقتصاد ريعي طفيلي متخلف مرتهن لعصابات و آلياته تتمحور حول الفساد. من وجهه نظر الشعب هذا يعني التوظيف تحسين مستوي المعيشة استيعاب السكان الذين هم خارج العملية الإنتاجية. أن تشخيص أزمة المجتمع المصري باعتبارها مجرد أزمة رأسمالية هو تشخيص مبسط و لذا مخل. أن الأزمة هي أزمة رأسمالية فاسدة طفيلية تابعة. و هو ما يعني أن قسم مهم من فائض القيمة يتم نزحه لخارج الحدود – سواء مباشرة أو عبر آلية الديون أو عبر الفساد و الخضوع لإملاءات الرأسمالية العالمية. فسلطة شعبية ستسمح لقوي الإنتاج بالنمو مرة أخري و ستسمح باستئناف التراكم الرأسمالي و بالتالي لتهيئة المجتمع للتحرر نهائيا من عبودية العمل المأجور بالمشاركة مع قوي الثورة في العالم.

قدمت هذه المقالة تصورا عاما حول ديناميكية الرأسمالية المصرية و حول كيفية تجاوز هذه الرأسمالية عبر قيام سلطة شعبية أو بناء جمهورية ديمقراطية شعبية أو حكومة العمال و الفلاحين فهي كلها مترادفات. ثم حاولت أن تجيب علي أسئلة ربما تثار بهذا الخصوص يبقي أن ننتقل إلي البحث الملموس لأفق تطور الصراع الطبقي عقب ثورة 2011
هناك عدة سيناريوهات تطرح لمآل الأزمة السياسية الراهنة التي مثلتها ثورة يناير. و ليس الهدف هنا حصر كل هذه السيناريوهات بل الهدف أساسا هو أكتشاف الخيارات المطروحة أمام القوي الثورية.

سيناريوهات تطور الأزمة
السيناريو النيوليبرالي
يفترض أصحاب هذا السيناريو أن تدفقات رأسمالية ضخمة سترد لمصر من التراكمات المالية غير المستغلة في العالم. و أن هذه الاستثمارات ستعيد في مصر نموذج كوريا الجنوبية و غيرها و تعيد بناء المجتمع كي يكون أكثر أندماجا في السوق العالمي طالما أن أجر العامل المصري أقل من زميله الكوري و ربما الصيني أيضا. و هناك مشكلتان رئيسيتان في هذا السيناريو.أولهما أن شرط تدفق الاستثمار بعيدا عن المحددات الأخري هو الاستقرار السياسي. فلن تأتي أي استثمارات لبلد يشهد قلاقل سياسية واسعة مهما كان سعر العمالة رخيص. و لذا فأن هذا السيناريو كي يتحقق لابد أن تسبقه مرحلة من القمع واسع النطاق تنهي الثورة و ذكراها. و كي يحدث مثل هذا القمع المعمم في ظروف مصر حيث نصف السكان تحت خط الفقر لابد مذابح فاشية و وقت طويل علي غرار ما حدث في تشيلي مثلا. الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية هو الصراع المصري – العربي – الإسرائيلي. فتحول مصر لنهضة أقتصادية يعني وضع المشروع الإسرائيلي في خطر حتي لو كانت إسرائيل تشارك في صنع هذه النهضة. و ذلك بسبب حجم مصر. و رغم ذلك فأن سيناريو من هذا النوع ليس مستبعدا تماما. لكن علي مستوي محدود جدا مما لا يسمح بتغيير علاقات القوي الأساسية و لا أوزان الطبقات و لا مراكزها في المجتمع.

الفاشية قوة ثورية بمعني سلبي
من ضمن الاحتمالات المطروحة للرأسمالية المصرية التحول للفاشية. و حينما نطلق وصف الفاشية علي جماعة الإخوان فأننا نفعل ذلك بشكل تقريبي. فالفاشية كما كانت في ألمانيا و إيطاليا و أسبانيا قوة ثورية بمعني ما من جهة تطوير قوي الإنتاج و التوسع الصناعي. و هذا بالتأكيد ما حدث في هذه البلدان في فترات الحكم الفاشي. و لكنها من ناحية أخري قوة شديدة القمع و الرجعية لذا فهي تمثل نوعا من الثورة السلبية. ثورة الطبقة الرأسمالية الكبيرة ضد عموم طبقات الشعب و ضد المنافسين الأجانب. و ما يهمنا هنا بخصوص مصر هل يمكن أن نري أقتران القمع الوحشي باسم الدين مترافقا مع التصنيع و التحديث التكنولوجي ؟ هذا احتمال قائم و لكنه أحتمال ضعيف لسبب رئيسي و هو أن عملية الانتقال لحكم الإخوان تمت بواسطة و عبر التدخل الإمبريالي. و لأن الإخوان أنفسهم مرتبطين بالرأسمالية التجارية الطفيلية و أن الرأسمالية التقليدية أضعف من أن تفرض مثل هذا الشكل و لكن لا يمكن أستبعاد مثل هذا الاحتمال تماما. خاصة لو تصورنا قيام وضع من التوازن الطبقي يتيح لفئة صغيرة أن تستولي علي الحكم و غالبا فئة عسكرية يمكنها أن تضع أسس لنظام فاشي آخذين في الاعتبار الترابط الوثيق بين المؤسسة العسكرية و بين قطاعات صناعية أساسية.

التحلل الاجتماعي
هذا هو سيناريو تحول مصر إلي صومال و سودان جديدة. و من المؤكد أن التحلل الاجتماعي بدء في مصر منذ سياسية الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها السادات ثم مبارك. و هي السياسيات التي عزلت قطاع واسع من السكان عن المشاركة في الإنتاج في الريف و المدينة. و عملية التحلل الاجتماعي أو تحطيم قوي الإنتاج لا تعني سوي استمرار الأزمة الرأسمالية و بالتالي السياسية و عدم الاستقرار.

ثورة يناير كحلقة من حلقات الأزمة
كل هذه السيناريوهات -باستثناء التحلل الاجتماعي- تتطلب مستوي عالي من قمع الحركة الشعبية. و هو الأمر الذي كان علي رأس أولويات الحكم العسكري ثم الحكم الإخواني التالي له. لكن قمع الحركة الشعبية أمر ليس سهلا و ليس يسيرا. أن ما يميز أزمة يناير 2011 هو أنها علي عكس الأزمات السابقة أطلقتها ثورة شعبية من ناحية و أن الحل الرأسمالي لها لا يتعدى تسليم السلطة لأضعف حلقات الفئات الرأسمالية و أكثر تخلفا التي يمثلها الإخوان. علاوة علي هذا فأنها قامت علي خلفية مستويات غير مسبوقة من التدهور الاجتماعي جعلت ما يقرب من 50% من السكان تحت خط الفقر.أن قمع الحركة الثورية سيستغرق وقتا. و غالبا سنشهد موجة ثورية أي فترة طويلة من الارتفاع و الانخفاض في الفعل الثوري. و يترافق مع هذه الموجة الثورية المحلية موجة ثورية عالمية كرد فعل للأزمة العالمية. سنشهد ما شهدته مصر من 19 حتي 52 محطات متتالية من الانفجارات الثورية يعقبها فترات هدوء نسبي و قمع. أي كان السيناريو الذي ستمضي فيه الأزمة طالما أن حتي الطرف الرأسمالي ليس لديه مجرد تصور عن كيفية تجاوز أزمته و لا يمكنه أن يقدم مثل هذا التصور و هو مرتبط أشد الارتباط بالأزمة العالمية. و يضيف البعد الرجعي الديني تعقيدا أضافيا حيث سيتحول لقهر طائفي واسع لقسم من السكان-المسيحيين من 7 – 10% من السكان - و قهر ديني للأغلبية و نحن نشهد بوادر مثل هذا القهر. كما ستشكل أطراف الدولة المتحللة -سيناء و النوبة الخ – عنصرا أضافيا لتولد التوتر و ربما حتي الحروب الصريحة.أن الطريق أصبح مفتوحا لحد ما أمام القوي الثورية كي تسعى لتملك زمام الأمور و بناء سلطة العمال و الفلاحين في شكل جمهورية ديمقراطية شعبية. و في مقال تالي سنناقش الجانب الاقتصادي من نفس القضية ثم نناقش المعني العملي للجمهورية الديمقراطية في مقال لاحق

* http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=306712 مأزق الثورة المصرية
* للكاتب مقال مطول عن تطور الإمبريالية
* "الريع السياسي" دكتور شريف يونس
*http://www.marxists.org/glossary/orgs/m/e.htm#mensheviki




No comments:

Post a Comment