Sunday, March 6, 2011

الثورة و بيروقراطية الدولة

الثورة و بيروقراطية الدولة

بدون تفكيك بيروقراطية الدولة و بدون نقل أكبر قدر ممكن من سلطتها للشعب مباشرة بأشكال مختلفة فلن تتحقق أي ديمقراطية و لن تنجز الثورة مهامها. منذ 52 تمت مصادرة كل مبادرة شعبية و قمعت مباشرة و استعيض عنها بجهاز بيروقراطي ما. و قد نجحت الطبقة الحاكمة في جعل بيروقراطية الدولة تلتهم كل المجتمع المدني – غير الحكومي – الذي كان قائما قبل الثورة. و قبل 52 عرفت مصر مبادرات شعبية بعيدة عن الحكومة كان لها أثارا واسعة المدي و تفوق ما أنجزته الأجهزة البيروقراطية في عقود تالية أذا أخذنا في الاعتبار متي حدث كل أنجاز و أمكانات مصر وقتها
من نماذج هذه المبادرات أنشاء جامعة القاهرة – أنشأت باسم الجامعة الأهلية - و بنك مصر و شركات بنك مصر و النادي الأهلي و الاتحاد العام لنقابات العمال .ثم الحياة السياسة العامرة التي لم تكن فقط مجرد أحزاب سياسية بل كانت حركة يومية من قبل جموع مثل أنتفاضة 35 و 46. و حتي مجانية التعليم حقيقة نادي بها طه حسين و هو وزيرا للمعارف لكن إنجازها أخذ طبيعة شعبية . قام طه حسين بالتجوال في مصر طولا و عرضا لجمع تبرعات و هو المشروع الذي أسفر عن أنشاء معهد للغة العربية في الجزائر و معهد للدراسات الإسلامية في أسبانيا و البيت الفني المصري في روما. ناهيك عن أفضل عصر ثقافي فني فكري شهدته مصر بأسماء مثل طه حسين و لويس عوض و محمود مختار و عشرات آخرين بدون أي حاجة لوزارة ثقافة. و قد نجحت الناصرية في قمع المبادرات الشعبية بسبب التحولات الاجتماعية و القمع و أستبدال كل مبادرة بجهاز بيروقراطي. و بسبب غياب الأجهزة الشعبية و غياب التنظيم الشعبي أخذ الشعب كل هذا الوقت كي ينفجر ضد الاستبداد في ثورة 25 يناير.
و سوف أتناول نموذج وزارة التعليم كجهاز بيروقراطي مسيطر علي عملية التعليم بشكل هرمي فج يندر مثاله. من نافلة القول أن التعليم في مصر تدهور ليس مقارنه بالدول المتقدمة بل مقارنة بالدول النامية. و أن نسبة الأمية كما هي منذ الستينات حوالي 35 % و ربما أكثر. و هذه الوزارة الفاشلة بكل المقاييس تضم مليون و 200 ألف موظف. و لديها 16 مليون تلميذ أو أكثر قليلا. أي أن المرء العاقل يتوقع أن تكون نسبة المدرسين للأطفال 1 إلي 16 مثلا. لكن واقع الحال أن الفصول بها 40 و 50 تلميذا و ربما أكثر. و تمتلك الوزارة اكثر من 200 ألف فصل دراسي في المرحلة الابتدائية و لديها 9 مليون تلميذ في نفس المرحلة أي أن متوسط الكثافة في الفصل 45 تلميذا أما عدد المدرسين بنفس المرحلة فهم 300 ألف أي لدينا مدرس لكل 30 تلميذ. و تفسير التناقض الكبير بين كثافة المدرسين 30 و كثافة الفصول 45 هو أن عدد كبيرا من المحسوبين مدرسين لا يدرسون حقيقة بل هم نظار و مشرفين و مدرسين أول الخ. فالهرم البيروقراطي يلقي بثقله علي العملية التعليمية. هذا غير أن الوزارة ككل تضم 400 ألف موظف أدراي أي بواقع إداري لكل 2 مدرسين. و يمكن لأي كان أن يشاهد هؤلاء الإداريين يجلسون و ربما يقفون في مديريات التربية و التعليم بينما الأطفال في المدارس لا تجد من يعلمهم القرأة و الكتابة. و حتي الفصول ضعيفة العدد يرجع الأمر فيها ألي الطريقة التي تقوم بها الوزارة بإنشاء هذه الفصول فتتكلف أضعاف حقيقتها و بالتالي لا يمكن أنشاء فصول كافية. أن البيروقراطية تهدر الموارد البشرية و المادية أهدارا واسعا. و لن أتناول هنا محتوي التعليم و لا فلسفته – و هي كارثة بحد ذاتها –. و ينطوي عمل الوزارة ككل علي تناقض جوهري صارخ. فالوزارة جهة تنفيذية مهمتها تطبيق القوانين الخاصة بالتعليم و الأشراف عليه. لكن الوزارة نفسها هي أكبر جهة تقدم خدمة التعليم فكيف تشرف علي نفسها؟ أن هذا التناقض الصارخ في بناء الجهاز البيروقراطي – و هو يمتد إلي تقريبا كل وزارات الخدمات – يؤدي حتما إلي فشل كل محاولة مهما كانت جادة لتحسين التعليم لان الخصم هو الحكم.
تأمل الآن لو وضع أمر التعليم في يد كل قرية و حي حيث الأمهات و الآباء الذي يعاني أبنائهم من فساد العملية التعليمية. ستكون هناك حلولا مبتكرة فمثلا لما لا يكون في كل فصل أكثر من مدرس. و لدينا عشرات الألف من العاطلين و الحاصلين علي شهادات عليا؟ و لما لا تبني فصول فوق أسطح العمارات حتي تتوفر موارد لبناء مدارس حديثة أو لما لا تستغل المباني الإدارية كمدارس بعد تحويل موظفيها – و هم بلا عمل حقيقي – لمدرسين.و لما تضطر الأسرة لأنفاق نسبة هامة من دخلها علي الدروس الخصوصية بينما ما يتعلمه الأطفال حتي في الثانوية العامة ليس نظرية النسبية أو الرياضيات العليا؟ ستقوم الجهات المحلية بالتأكد من الأطفال فعلا يتعلمون في الفصل الدراسي – لاحظ أن نسبة الأمية حاليا لمن هم في المرحلة الإعدادية 8 %- و هذا سيوفر علي الأسرة الكثير و ينعش حالتها المادية. ثم سيكون هناك الكثيرين من المتقاعدين الذين يرحبون بالتطوع مجانا لتعليم الأطفال. و أنا أعرف – و أظنها خبرة عامة – أن السكان حتي أنشئوا مدارس كاملة حتي يتعلم أبنائهم. فهذا سيكون أدعي أذا كان الأشراف علي التعليم من جانب السكان. و لأن القائمين علي التعليم في هذه الحالة ليسوا بعيدين عن المدرسين فسترتفع أجور المدرسين بل ستتنافس الأحياء المختلفة علي أجتذاب المدرسين المتميزين و تمنحهم مرتبات مجزية و في المقابل ستتلاشى الأجور الهائلة التي يأخذها كبار الموظفين في الوزارة لأن لم تعد هناك حاجة لهم. و هناك نقطة غاية في الأهمية أن التعليم سيتماشى مع الواقع المحلي فكيف يمكن تصور أن أبن سيناء يحتاج نفس ما يجتاحه أبن القرية أو الطفل الصعيدي ناهيك عن أطفال جاردن ستي. وضع التعليم بقضه و قضيضه في يد المحليات سيعنى التنوع التعليمي – ضمن الإطار القومي – ليناسب حاجات الأطفال.و في هذه الحالة ستتفرغ الوزارة لمهمتها الأصلية و هي تنفيذ القوانين لان الجهة المقدمة للخدمة هنا ليست هي الوزارة.و تحاول البيروقراطية أن تصور للناس كما لو أن في كل مكان في العالم يتم التعليم بنفس الأسلوب و هذا غير صحيح مطلقا نادرة هي المجتمعات التي تتبني هذا النمط البيروقراطي الشامل في التعليم.
أنا لا أنادي بأن يكون التعليم تعليما خاصا – و هذه مأساة أخري من ماسي التعليم – و أنما تعليما عاما مجانيا تقوم بإدارته بشكل كامل الجهات المحلية. و لا أنادي أيضا بأن ترفع الدولة يدها من التعليم بل علي العكس أطالب بأن تتضاعف ميزانية التعليم لتصل إلى المتوسط العالمي – في مصر هي 3.7 % من الميزانية العامة بينما المتوسط العالمي حوالي 7 % - ما أطالب به هو أن تقوم المحليات بالإشراف علي التعليم بدء من الميزانية لبناء الفصول لتعيين المدرسين لكل تفاصيل العملية التعليمية. و يكون دور الوزارة هو توزيع الميزانية علي المحليات وفقا لأولويات محددة – مثلا الجهات الافقر يجب أن تحصل علي أموال أكثر- كما تقوم الوزارة بالأشراف علي العملية التعليمية من زاوية المناهج و أساليب التعليم و تقوم بالتدريب و أشياء من هذا القبيل. هذا هو الطريق كي نتخلص من أحد أكبر العوائق أمام تقدم المجتمع ككل
ما علاقة هذا بالديمقراطية؟ حينما تسيطر المحليات علي التعليم بشكل كامل فهذا سيكون أحد الدروب للشعب أن يتعلم كيف يدير بنفسه شئونه دون الاعتماد علي البيروقراطية. و بالتالي يصبح الشعب قادرا علي مواجهة هذه البيروقراطية. و يصبح الشعب قادرا علي التوحد في مكونات إقليمية محلية. هذا التوحد الذي لا يأتي إلا من خلال المشاركة المجتمعية. فأحد خصائص البيروقراطية أنها تحرص دائما علي التعامل مع الأفراد و ليس مع مؤسسات – مثل المحليات – لها القدرة علي أن تناطح و لو بشكل جزئي الأخطبوط البيروقراطي. و وضع التعليم في يد المحليات سيؤدي إلى تنوع الحلول و المبادرات أي حوار ديمقراطي حول أنسب الطرق لحل قضايا التعليم و حتي إلي تجارب و هذه هي الديمقراطية


-----------------------------
إحصائيات التعليم في موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء
ربما لا يعمل هذا الرابط فقد لاحظت أن الجهاز دائم تغيير مواقع الإشياء في موقعه لكن مع قليل من البحث يمكن الوصول لنفس الإحصاءات

No comments:

Post a Comment