Thursday, July 16, 2009

البديل .. رؤية قارئ


البديل .. رؤية قارئ

الحوار الدائر حول جريدة البديل حاليا مفعم بالعواطف سواء عن حق أو غير ذلك. عواطف قراء فقدوا جريدتهم و عاملين فقدوا مورد رزقهم و هؤلاء الذين يحاولون تصفية حسابات خاصة و الجميع و قد ضاع منهم الحلم. و كقارئ للبديل أرى المتحاورين ربما تاه منهم الطريق أحيانا بفضل الانفعال و المصالح و الانحيازات الشخصية. و كقارئ لا خبرة له بالعمل الصحفي أري عدة نقاط شابها اللبس و ربما سوء التقدير
البديل لم تفشل
أن البديل كصحيفة لم تفشل. بل ربما كانت البديل بمعنى ما ضحية نجاحها الكبير. فلا يمكن أن يكون معيار النجاح أو الفشل هو نجاح المؤسسة المالية التي بنيت عليها البديل. ألبديل كجريدة يومية شيئا مختلف تماما عن المؤسسة المالية. تميزت البديل بأنها تعرف تماما لمن تتوجهه و عن أي مصالح تدافع و لصالح من تترافع. كان الجميع في البديل و خارجها يعرفون أن هذه جريدة البسطاء من الناس و جمهرة المثقفين . لم تخف البديل هويتها و لم تلبس ثوب عدم الانحياز الزائف الشائع في الأعلام. و قليلة هي الجرائد المصرية التي تعرف بداية لمن تتوجهه و آي قطاع من الناس تخاطب. و لا يمكن الحكم علي البديل بالفشل لان توزيعها كان محدودا لان هذا يفترض أن المؤسسة المالية حريصة على التوزيع و أن جمهور البديل يدرك لحجم المخاطر التي تتعرض لها الجريدة فيكف عن الاكتفاء بقرأتها من موقعها و يشتري نسختها المطبوعة. و غني عن القول أن كم الإعلانات أيضا ليس دليلا على الفشل و النجاح. أن دليل النجاح الساحق للبديل كجريدة هو ما أثارته من قضايا و ما حفلت به من "خبطات" صحفية. لكن الدليل الأكبر هو أن المحتجين فى دمياط و المحلة كانوا يرفعون نسخا من البديل. لا تطمح أي جريدة في أكثر من هذا، لا تطمح أي جريدة محترمة في أكثر من أن تعبر عن جمهورها إلي الحد الذي يتخذها هذا الجمهور رمزا و شعارا.
نعم البديل جريدة يسارية
البديل جريدة يسارية و يحق لها أن تفخر بذلك و يحق لليسار أن يفخر بها. فتلك الجريدة التي أصبحت بعد 6 شهور من صدورها في واجهه الإعلام المصري كتبها على الأغلب يساريين و قرأها يساريين وخطط لها يساريين بالمعني الواسع لكلمه اليسار. و ربما حادت الجريدة – خاصة في فترتها الأخيرة – عن الألق اليساري و أنزلقت للشعبوية و لكنها ظلت دائما يسارية الطعم. و تلك التجربة بالغه الأهمية هي في مخزن خبرة اليسار يجب أن يبني عليها و يستفيد منها. و اليسار أستطاع منذ نصف قرن أن يقدم صحافة حقيقية للناس بشكل مستقل و مع البديل أثبت اليسار أنه ما زال يستطيع أن يقدم للناس صحافه حقيقية و أن يجمع بين مخاطبة أوسع البسطاء و الفن الصحفي المتقدم.
تناقض البديل القاتل
و رغم ذلك فالبديل كانت ضحية تناقض صارخ و حاد يفعل فعلة في أحشائها. تناقض بين التوجه للناس و الاستقلالية من ناحية و بين النموذج المالي و الإداري و حتى الصحفي الذي أختارته من ناحية أخري. فبالله عليك كيف تنتظر من الرأسماليين أن يضعوا أعلاناتهم في صحيفة تهاجمهم؟ النموذج المالي الذي بنيت علية البديل يفترض على الأقل عدم الخسارة و يا حبذا الربح. و لا يمكن لهذا أن يحدث ألا بأحد أمرين أما الدعم أو الإعلانات.أما أن تدعم الجريدة من ثري – أو حكومة - لا يعنيه فقدان 10 أو 20 مليونا سنويا، و أثرياء البديل ليسوا بهذا الثراء. أو تستطيع أن تحصل على أعلانات كافية و تبيع مساحاتها لمن يدفع و هذا أيضا غير ممكن لتناقض توجه البديل مع أصحاب الإعلانات رغم كل ما يقال عن عدم الاهتمام الكافي بالإعلانات. و نفس التناقض و لكن بشكل أقل حدة يحتوي الشكل الإداري شكل الشركة. فالشركات ليست مؤسسات ديمقراطية. الشركات مؤسسات أستبدادية يذهب المرء للعمل كي ينفذ ما يقال له ليس كي يناقشه. و هذا يتناقض تماما مع الروح الديمقراطية التي تحاول البديل الجريدة أن تشعلها. و يمتد هذا التناقض للشكل الصحفي أيضا. فللأسف ارتدت البديل نفس شكل الأهرام و الجمهورية – صفحة رئيسية و صفحة مصر و العرب و العالم الخ – شكل يتناسب مع جريدة بلا طعم لا تعرف لمن تتوجهه. و لكن البديل كانت تعرف و كانت تقول ذلك بالصوت العالي رغم الشكل و بالاصطدام مع الشكل. و ليس لدي شك أن من قاموا بالبديل ربما أحسوا و حتي فهموا بشكل عميق طبيعة ذلك التناقض. و أنا لا أعرفهم و لكنه منطق الأمور. و شعوري أن النجاح الذي عرفته البديل ربما طمس ذلك التناقض و أخفاة لحين لذا حينما أنفجر كان عنيفا مدويا و أطاح بكل شيء. لذا قلت أن البديل ضحية نجاحها. أذا لم تكن مشكلة البديل أن هذه الخطوة أو تلك لم تتخذ. أن تسند الإعلانات الى شركه متخصصة مثلا أم لا أو تصل أعداد كافية للمحله من عدمه. كل هذه القضايا هي تجليات للتناقض الكبير الذي أحتوي الجريدة بمحرريها و أداريها . و ربما جالت كل هذه القضايا برؤوس من قاموا بإنشاء البديل و ربما عن لهم أن عليهم ليس أن ينشئوا جريدة يسارية جديدة فحسب و أنما أيضا هيكل مالي و أداري و صحفي جديد. و ربما أيضا جال بخاطرهم أنهم يتحملون مخاطرة كبيرة – بالمال و الوظائف – بإنشاء البديل فلم يريدوا أن يزيدوها بمخاطرة القفز إلي بناء صحفي جديد. أقول ربما . ربما جال كل هذا و أكثر بخواطر من أسس و من بني البناء. و لكنهم فضلوا التوقف في منتصف الطريق. حرصا على التجربة و إشفاقا منها. فكانت البديل جريدة البسطاء التي يبلغ قيمة السهم فيها 1000 جنية كتعبير صارخ عن التناقض الكامن .
هناك حقيقة بسيطة لا يجب أن يكون فيها آي شك و هي أنه بدون وجود مستقل و متنوع لليسار على الساحة الإعلامية لا يمكن تصور وجود فاعل لليسار علي الساحة السياسية و الاجتماعية. هذه باختصار حقيقة هذا العصر الذي نعيشه رغم الأنترنت و رغم الديمقراطية الإلكترونية. وقد شكلت البديل أختراقا هاما جدا – و أن كان محدودا – في جدار العبث و التفاهة و الرجعية و التخلف السائد في الإعلام المصري. و من هنا أهميتها الفائقة و اهميه هضم تجربتها و الانطلاق منها لتجرية جديدة.
و تناقضات البديل سالفه الذكر ليست جديدة أو مفاجأة بل معروفة منذ كانت هناك صحافة في مجتمع رأسمالي. و علاج هذه التناقضات هو بناء جريدة القارئ بدلا من جريدة الشركة.و الوصول إلي نموذج جريدة القارئ بدلا من جريدة المعلن أو حامل السهم أو الشركة أمرا ليس مستحيلا و أن كان ليس سهلا ميسورا أيضا. و من حسن الحظ أن هناك تجارب ناجحة عديدة في العالم لهذا النموذج ربما تقدم حلا للتناقض. جريدة القارئ هي علاج تناقضات البديل. و هذه الجريدة تستند إلي أوسع توزيع ممكن و أوسع مشاركه في تحمل النفقات (السهم جنية واحد بدلا من 1000 )و المسئوليات المالية و الإدارية. و لكن ذلك ليس كافيا يجب أن تتمتع أيضا بدعم مالي مباشر من مؤسسات شقيقة تنتج تجاريا أنتاجا ثقافيا و فنيا الخ. و جريدة القارئ لا تسعى للإعلانات بل ترفض الإعلانات لان ببساطه من يدفع يملي شروطه سواء كان جهه حكومية أو مؤسسة رأسمالية. و جريدة القارئ هي مؤسسه غير هادفه للربح أيضا فالسعي الي الربح ولو نظريا يملي على الجريدة كما يملي عليها المعلن أو الممول. فهل نطمح أن يتجاوز اليسار و ينتج بديلا للبديل على أسس جديدة؟

No comments:

Post a Comment