Friday, August 1, 2014

أزمة اليسار المصري الراهنة

أزمة اليسار المصري الراهنة

منذ أنتخاب السيسي و اليسار المصري يجد نفسه مرة ثانية أمام نفس المأزق القديم. نظام بوليسي و قمعي و قوة رجعية (الإخوان) تشكل المعارضة الرئيسية للنظام . فكل تحرك جماهيري و شعبي يحسب لصالح الإخوان من قبل الإعلام و الأجهزة بل أن الإخوان أنفسهم يعملون علي ركوب أي حراك و تحويله لصالحهم يرفع شعاراتهم كي يدور بطريقتهم .
ليس هذا فحسب بل أن القضايا نفسها المطروحة يختطفها الإخوان فمثلا أصدروا من يومين بيانا ضد رفع أسعار الوقود – كما لو أنهم ليسوا داعمين للنهج النيوليبرالي سواء في أدبياتهم أو خلال فترة حكمهم.و أقول أن هذه المرة الثانية لمثل هذا المأزق لأن منذ الثمانينات كان هذا الوضع من الناحية الأساسية و أن كان وقتها لا يقوم الإخوان برفع شعارات جماهيرية لان استراتيجيتهم وقتها كانت تعتمد علي المناورة و المفاوضات مع النظام . أما الآن بعد المواجهة المفتوحة بينهم فليس لدي الإخوان إلا الإرهاب المباشر و قد حدت منه المواجهات الأمنية و تبني القضايا الجماهيرية خاصة بعد خسارتهم لمكانتهم في النقابات المهنية. فاليوم يدعي الإخوان تبني أهم قضايا اليسار قضية الحريات العامة و العدالة الاجتماعية و القضايا الوطنية أيضا كما يحدث مع الحرب الإسرائيلية علي غزة.

من ناحية أخري يجد اليسار المصري نفسه محاصرا بين "انهيار الدولة" و بين ضرورة معارضتها إذا كان لليسار أن يبقي كذلك . و انهيار الدولة ليس "بدعة" إعلامية فهو خطر حقيقي و يتجلى في العراق و سوريا و اليمن و ليبيا كما يتجلى كامنا في واقع التحلل الاجتماعي. و لكننا كيسار نفهمه كمحصلة مرة لسياسات الإفقار المادي و الروحي التي أتبعت عبر العقود الماضية فكيف نواجهه هذه السياسيات المدمرة دون أن ندمر الدولة في العملية طالما نحن كيسار غير قادرين الآن علي أن نشكل بديلا جديا للدولة القائمة.

كاتب هذه السطور – مع كثيرين - يتبني موقف أن الإشكالية الأساسية التي تواجه اليسار المصري و التي تحيط بأزمته هي الارتباط بالشعب بالمعني الواسع و بالطبقة العاملة و فقراء المدن علي وجه الخصوص. و ليست هذه هي الإشكالية الوحيدة التي تواجه اليسار لكنها الإشكالية الحاكمة لكل أشكالية أخري. فالضعف النظري مثلا لا يجد تبريره إلا في عدم قدرة هذا اليسار علي ربط الممارسة بالنظرية لأن الممارسة محدودة جدا و الفشل التنظيمي المتكرر ليس إلا أنعكاس لحالة العزلة. و هذه العزلة لا يجب النظر لها باعتبارها قدر أو قرار يساري . عزلة اليسار ناجمة بالأساس من التطور الاجتماعي الذي أدي لقدر كبير من التحلل الاجتماعي . مع عدم التعمية علي أخطاء و خطايا اليسار في هذا السياق و من أهمها عدم رؤية هذا التحلل. و من عزلة اليسار تنبع مشاكله و أمراضه مثل الشخصنة و الصراعات علي الكراسي و التشققات و النزعات الحلقية .

العزلة
يتضح واقع العزلة في غياب أداتين أساسيتين لحركة اليسار و هما وسائل الاتصال – قنوات تلفزيونية و جرائد – و ضعف الحركة النقابية العمالية . فلم يوجد يسارا يمثل تيارا أساسيا في حياة أي بلد دون أن يمتلك هاتين الأداتين .و في قلب الأزمة التي تحيط باليسار لم ننجح كيسار مصري في أن نركز علي هاتين القضيتين المحورتين . فدائما ينظر إلي أنشاء وسائل أتصال باعتبارها عملية مكلفة جدا – و هي كذلك – و بالتالي مؤجلة للأبد رغم أن وضع المهمة و الإلحاح عليها و بحث السبل المختلفة لتحقيقها هو السبيل و ليس النكوص. و النتيجة أننا نجد "أحزاب" يسارية ليس لها حتي جريدة أسبوعية. و بدون أن نحل هذه القضية فلا أمل في أن يكون اليسار له وزن في المجتمع كافي كي يختبر أطروحاته و لكي يتخلص من طابع "المثقفين" الذي يغلفه

و النقابات العمالية نفس الشيء فاليسار في العالم بيته هو النقابات العمالية حتي في الولايات المتحدة كان اليسار هو من بني حركتها النقابية الضخمة ناهيك عن بلاد مثل البرازيل و الخ. و من حسن حظنا أن بعد الثورة قامت حركة نقابية قوية. صحيح أنها تعاني من أمراض كثيرة لكننا في وضع يختلف كيفيا عن ما قبل الثورة . و رغم ذلك فأن سلوك اليسار وسط الحركة النقابية الشابة لم يرتقي لمستوي المهمة . فهناك يساريين تحولوا لنقابيين عوضا عن أن يحولوا النقابيين ليساريين و أمراض اليسار التقليدية – التعصب و الشخصنة و الصراع علي المناصب الوهمية – نقلناها إلي الحركة النقابية و الأكثر من ذلك أن الكيانات اليسارية لم تري أن الانغماس و الارتباط بالنقابات هو من أهم مهماتها فلم توليها الاهتمام الكافي و هذا علي علاقة بنظرة اليسار لنفسه باعتباره تيارا سياسيا و ليس تيارا للتغيير الاجتماعي و سنتناول هذه النقطة لاحقا.

اليسار و الثورة
لابد لنا في هذا السياق أن نتناول تجربة اليسار في الثورة حتي الآن. الثورة قامت بفضل تيار ديمقراطي برجوازي صغير شبابي مديني دعمته الطبقة العاملة و فقراء المدن من حيث الأساس. هذا التيار الديمقراطي يتميز بالشعبوية و الشعورية و غياب البرنامج الواضح . و بالطبع هو حليف لليسار و هو أيضا مصدر اليساريين الجدد الكثيرين . و عوضا عن يقيم اليسار علاقة تفاعل مشترك مع هذا التيار تهدف لنقد مواقفه ضمن نقد الثورة عموما و في نفس الوقت تشجيعه علي تبني مواقف أكثر راديكالية أخذ اليسار موقف التبعية من هذا التيار . بل أصبح كثير من اليساريين جزء من هذا التيار من حيث الشعبوية و الشعورية الخ . فعلي سبيل المثال رفعت شعارات مثل "الشهداء أولا" و "يا نجيب حقهم يا نموت زيهم" و سار و راءه الكثيرين . بينما أن المنطقي أن يكون الأحياء أولا . فحتي علي صعيد القصاص لن يمكن أن يتحقق دون علي الأقل مشاركة قوي الثورة في السلطة . و كاتب هذه السطور لا يعفي نفسه من الانجرار وراء مثل هذه الشعارات أحيانا . و من هذه الشعارات الشعبوية شعار "يسقط حكم العسكر" رغم أن كل العالم يحكمه عسكر و رغم أن السؤال المنطقي عن ما هو البديل لا إجابة عليه.و نتيجة مثل هذه التبعية للتيار الديمقراطي فأنه لا يوجد شعار جامع يقود الثورة و يتمتع بالانتشار شعار يواجهه القضية الأساسية للثورة و كل ثورة و هي قضية السلطة.
و هذا التيار هو المسئول لحد كبير عن تذبذب كثير من اليساريين بين الجناح المديني من الطبقة و جناحها الديني من الإخوان لحزب مصر القوية .و عن اتساع ظاهرة ما يسمي بمنظمات المجتمع المدني و دورها في الثورة الذي يبعد كثيرا عن اليسار . و عن غض النظر عن الإرهاب و التفكك الذي يشمل المنطقة بل و عن التغاضي عن الدور الإمبريالي سواء في مصر أو في الثورة عموما. أن هناك تناقضات جدية مع التيار الديمقراطي البرجوازي الصغير لا يمكن التعمية عليها ناهيك عن الانجرار لمواقعه

لا حركة ثورية دون نظرية ثورية

و تواجه النظرية الثورية معضلات في واقعنا المعاصر فالتحليل الماركسي الكلاسيكي للمجتمع الرأسمالي يواجه تحدي كبير في رأسمالية العولمة الحالية ناهيك عن رأسماليتنا المشوهة الخاصة.
أحد أهم خصائص مجتمعنا الآن هي أنه قد تقدم أجتماعيا ثم انحدر و هذه الظاهرة هي التي خلقت واقع وجود قوتين رجعيتين متصارعتين قوة النظام و الدولة الرأسمالية الرثة و قوي الرجعية الدينية. و نتج عن الانحدار أيضا تفكيك اجتماعي واسع للطبقة العاملة و غيرها من الطبقات خصوصا ظاهرة التهميش فنحن الآن لسنا مثل روسيا "المتخلفة" قبل ثورتها

فبيروقراطية عبد الناصر استطاعت أن تدفع التصنيع و الزراعة للأمام مع التعليم و الصحة الخ . ثم أجبرت و مالت البيروقراطية للتحول "للتبعية" و مع هذا التحول تحول الاقتصاد كي يصبح تدريجيا اقتصادا ريعيا بيروقراطيا . فجزء مهم من فائض القيمة الاجتماعي يأتي عبر الريع الذي تسيطر البيروقراطية – جهاز الدولة - علي مصادره و توزعه بآليات الفساد علي رأسمالية المحاسيب . بل أن عمال و موظفين لا يعملون حقيقة يتلقون جانبا من فائض القيمة هذا المتحقق من العالم ككل فأجور البطالة المقنعة المنتشرة تأتي من هذا الفائض . و علي سبيل المثال فأن صناعة السياحة التي كانت تحقق أعلي مداخيل لا تأتي فوائضها من عمال السياحة فقط – بتصنيفاتهم المختلفة – لكن أيضا من السائح الأجنبي. و في دول البترول تبدو هذه الظاهرة أوسع كثيرا فمداخيل هذه الدول لا يأتي من استغلال عمال البترول إلا فيما ندر بل من الفائض العالمي للشعوب التي تستهلك هذا البترول .فيصبح أمامنا سؤال هل نحن في عالم يتم فيه تحصيل فائض القيمة علي أساس اجتماعي – في دولة ما – أم علي أساس اجتماعي – عالمي ؟ و ما هو تأثير ذلك علي التكتيك الثوري ؟ أن الماركسية نفسها منفتحة علي تفسيرات متنوعة . لكن الماركسية استندت إلي ثورة العمال في بلد معين ضد الاستغلال الرأسمالي رغم أنها لم تغفل عن أهمية "يا عمال العالم اتحدوا"

و علي مستوي أخر فأننا نواجه تحدي تشابك العلاقات عالميا . فما أن تقوم حركة جماهيرية حتي تتدخل قوي ضخمة جدا من خارج المجتمع و هو الأمر الذي لا تتناوله الماركسية عادة . فالتجربة الناصرية مثلا لم تهزم إلا بسبب التدخل العنيف من الخارج و الآن فأن الثورة المصرية تواجه مصيرا مماثلا و ها نحن نري ما يجري في سوريا و العراق الخ.ناهيك عن أن "التبعية" بمفهومها الكلاسيكي أصبحت أيضا من الماضي فالتبعية أصبحت واقع في الاقتصاد المعولم حتي بالنسبة للدول الرأسمالية الكبري فالولايات المتحدة مدينة للصين 4 تريليون دولار و الصين لا يمكنها مواصلة التقدم دون التصدير لأمريكا . لكن في بلد مثل مصر فالتبعية تأخذ شكلا مختلفا خاصة عبر آلية الديون و الإكراه علي أتباع سياسيات معينة خصوصا من صندوق النقد . لكن هل يمكننا أن نطالب بالاستقلال بالمعني القديم ؟. أي الانغلاق علي الذات و بناء صناعة و زراعة وطنية ؟ أن العالم لم يعد كذلك فيجب أن ندرك ما هو المطلوب في مواجهه التبعية

و ضمن هذا المستوي نجد أنفسنا كثورة ضمن سياق ثوري عالمي أنطلاقا من الأزمة الرأسمالية الحالية التي تبدو إرهاصاتها في العديد من بلدان العالم و تحمل طابع مختلف جدا عن كل ما سبقها من موجات ثورية بفضل خصائص العصر الذي نعيشه و أتساع المهمات المطروحة و تعقدها.
نحن إذن كيسار في حاجة لبناء نظرية ثورية ماركسية محلية و تستجيب للوضع العالمي و بالقطع هذه ليست مهمة يسيرة و ليست عمل يمكن أن ينجز بمعزل عن حركة جماهيرية ضخمة و لكنه أيضا لا يمكن أن ينجز بدون ادارك أهميته.

اليسار حركة للتغيير الاجتماعي و ليس تيارا سياسيا

أحد أوجه الخلل الرئيسية التي تحدد سلوك اليسار في المأزق الحالي هو إلحاح "السياسية" علي اليسار . فاليسار ينظر لنفسه – رغم ضعفه البالغ- باعتباره تيارا سياسيا يجب أن يحدد موقفا من كل قضية سياسية. اليسار لا ينظر لنفسه باعتباره نقيضا لهذا المجتمع و سياسته و أنه مشروعا للتغيير الاجتماعي . مشروع التغيير الاجتماعي يختلف جوهريا عن التيار السياسي . فالتيار السياسي يعمل وفق ممكنات السياسة المتاحة . و هذه الممكنات ضمن مجتمع تابع و متخلف و حتي ضمن مجتمع رأسمالي متقدم لا يمكن و لن يمكن أن تقدم تغييرا اجتماعيا فسياسية هذه المجتمعات مصممة بالذات كي تحول دون تغيير اجتماعي و كل تغيير حدث في هذه المجتمعات جاء من خارج السياسية – الثورة المصرية مثلا - . ليس معني هذا إغفال السياسية بل جعلها أداة من أدوات التغيير الاجتماعي و ليست بديلا عنه . و علي سبيل المثال فأن وجه الخلل في ما يسمي بمنظمات المجتمع المدني هو أنها تكرس للسياسية و القانونية القائمة كطريق للتغيير و من هنا طابعها الإصلاحي و اليميني . و كثيرا من اليساريين يشاركونها نفس التوجه. أن ما يميز اليسار هو اعتقاده بالصراع الطبقي محرك للتاريخ و ليس النخب و الجماعات السياسية . و في نفس الوقت فأن لهذا الصراع تجليات سياسية و ثقافية و قانونية متنوعة.و التحالفات المتنوعة أحد أوجه تجلي تغليب السياسي علي الاجتماعي في سلوك اليسار المصري. و من المفهوم أن هناك صعوبة بالغة في تعامل اليسار مع نفسه باعتباره حركة للتغيير الاجتماعي و ليس تيارا سياسيا أخر مقابل السهولة النسبية للسلوك السياسي. و قد كان المال و الوجاهة الاجتماعية مصدر لانحراف كثيرين.

لا يوجد حزب ماركسي ثوري في مصر

و لذا فأننا يمكننا أن نؤكد أنه لا يوجد في مصر حزبا ثوريا ماركسيا حتي لو استخدمنا كلمة حزب علي سبيل التجاوز . فالتنظيمات التي تتمسك بمقولات الماركسية القديمة كما هي أنما تقوم بإهدار المنهجية الماركسية التي تدعو إلي التحليل الملموس للواقع الملموس . فالمقولات الكلاسيكية تحتاج للتدقيق في واقعنا الحالي . فمثلا طبيعة التحول القادم ما هي علي وجه التحديد . هل هي الاشتراكية ؟ و هل هي نوعا من الديمقراطية الشعبية و ما معني ديمقراطية شعبية. أما التنظيمات التي لا تأتي علي ذكر هذه الكلاسيكيات فأنها تتخلي عن الماركسية ببساطة و تصبح ضمن التيار الديمقراطي البرجوازي الصغير . و الدعوة للوحدة غير ممكنه في ظل هذه الشروط . و لذا يصبح بناء يسار راديكالي قضية ملحة حتي لو كان مؤقتا تجميعا من مختلف التنظيمات القائمة.

ألا يعد هذا ماركسية "كلاسيكية"؟

الرؤية المطروحة هنا ربما توصف بأنها ماركسية كلاسيكية . صراع طبقي . استراتيجية و تكتيك . أتصال جماهيري . نقابات الخ الخ . و في الحقيقة هذه الرؤية هي كذلك تماما فهي ماركسية كلاسيكية و لكن فقط من حيث المنهاجية . أما من حيث الشعارات و التحليل فهي ماركسية جديدة ستولد بجهودنا مع جهود قوي عديدة في العالم في سياق الثورة العالمية الجارية.

1 comment:

  1. أعلنت شركة الصحراء العالمية للبتروكيماويات “سبكيم” عن قرار مجلس إدارتها يوم 22 ديسمبر من عام 2022م بقبول استقالة ا عايض بن محمد القرني “عضو من خارج المجلس” من عضوية لجنة المراجعة، وتعيين المهندس محمود صالح الذيب “عضو من خارج المجلس”.المهندس محمود صالح الذيب
    وأعرب مجلس إدارة شركة سبكيم عن تقديره وشكره لأستاذ عايض بن محمد القرني على مساهماته وجهوده وتعاونه الكبير خلال مشاركاته في اعمال لجنة المراجعة متمنين له دوام النجاح والتوفيق.

    ReplyDelete