Thursday, June 5, 2014

الطاقة النووية

الطاقة النووية

الفكرة الأساسية
الطاقة النووية تعتمد علي معادلة تحويل الكتلة إلي طاقة و هي أن الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء أي الكتلة مهما كان نوعها يمكنها أن تتحول لطاقة هائلة لأنها مضروبة في سرعة الضوء مرتين (180 ألف كيلومتر في الثانية). و الطاقة النووية الانشطارية تنتج عن انشطار أنوية مواد معينة مثل اليورانيوم و البلوتونيوم . مجموع الكتل الناتجة عن الانشطار أقل من الكتلة الأصلية الفارق يتحول لطاقة هائلة. أما الطاقة النووية الاندماجية فهي علي العكس عملية دمج بين أنوية (نوع من الهيدروجين) ناتج الاندماج أقل كتلة من مجموع الأنوية التي شاركت في العملية و الفارق أيضا يتحول لطاقة هائلة


لماذا اليورانيوم؟
اليورانيوم عنصر ثقيل متوافر في الطبيعة و له صور متعددة-و تسمي نظائر عادة - (تقريبا كل العناصر متعددة الصور) فهناك اليورانيوم 235 – و هذا الرقم يدل علي مجموع البروتونات و النيوترونات في نواه اليورانيوم) و هناك 238 و حتي 236 -و هو أساس المفاعلات النووية . اليورانيوم 235 موجود في الطبيعة بنسبة 0.007% أي أقل من 1% بينما معظم اليورانيوم من نوع 238. و حينما نقول تخصيب اليورانيوم – التعبير الصحيح هو أثراء اليورانيوم – أي ذيادة نسبة 235 مثلا إلي 5% و هي النسبة المستخدمة في معظم المفاعلات أو أكثر من 90% و هي النسبة المستخدمة في القنابل الذرية . و عملية الإثراء ضرورية لان نوع 235 حينما يصطدم به نيوترون يتحول إلي 236 هذا النوع من اليورانيوم غير ثابت ينشطر في جزء صغير من الثانية و يتحول لعناصر أخري و يطلق طاقة و نيوترونات جديدة. فنحن نحتاج لذيادة نسبة نوع 235 حتي نذيد احتمالات أن يصطدم نيوترون بنواة هذا النوع. و رغم ذلك فهناك مفاعلات تعمل تقريبا باليورانيوم الطبيعي دون إثراء كثير و هي المفاعلات الكندية

لماذا الانشطار و ليس الاندماج؟
كل المفاعلات التجارية العاملة هي مفاعلات انشطارية رغم أن المفاعلات الاندماجية تنتج طاقة أكثر و وقودها هو الهيدروجين – أو نوع منه – المتوفر بلا حدود تقريبا . فلم هذا التناقض؟ لان العملية الاندماجية تحتاج لدرجة حرارة هائلة حتي يمكن أن يبدأ الاندماج. و من الصعب تكنولوجيا الآن تحقيق مثل هذه الحرارة و احتوائها في التطبيقات التجارية. و كي تتضح الصورة أكثر فأن القنبلة الهيدروجينية تحتوي داخلها علي قنبلة ذرية . و حينما تنفجر القنبلة الذرية تنتج الحرارة الضرورية لعملية الاندماج الذي هو انفجار القنبلة الهيدروجينية ذاتها.

التفاعل المتسلسل
قلنا أن اليورانيوم 235 حينما يصطدم به نيوترون -بسرعة معينة – ينشطر و ينتج طاقة و نيوترونات. هذه النيوترونات الجديدة يمكن استخدامها لشطر أنوية أخري من اليورانيوم و هذه العملية تسمي التفاعل المتسلسل. و هي عملية معقدة و تحتاج لحسابات رياضية بالغة التعقيد و تحتاج لأشكال هندسية معينة و مواد أخري لضبط عملية التسلسل. فالتفاعل المتسلسل لا يمكن أن يحدث تلقائيا لذلك فأن المفاعلات الذرية – أو النووية – لا يمكن أن تكون مثل القنبلة الذرية. عكس الوهم الشائع . و لصعوبة تحقيق التفاعل المتسلسل أخذ تطوير المفاعلات و القنابل كل هذا الوقت و الجهد و الإمكانيات

فمما يتركب المفاعل النووي؟
يتركب من ثلاثة أجزاء متداخلة. ما يسمي القلب و هو الوقود النووي (يورانيوم بعد الإثراء للدرجة المطلوبة) و غالبا معبئ في أنابيب مرصوصة بشكل هندسي معين – لتحقيق التفاعل المتسلسل – و الجزء الأخر هو المهدئ و هو مادة تهدئ من سرعة النيوترونات لتصل للسرعة المطلوبة لتحقيق الانشطار و هذه غالبا هي الماء . أما الجزء الأخير فهو المثبط (أعمدة الأمان) و هو عبارة عن مادة تتميز بالقدرة علي أمتصاص النيوترونات دون التفاعل معها – البورون أشهرها – و هو أيضا معبئ علي هيئة أنابيب تقف خارج المفاعل و يمكن أنزالها أو رفعها لضبط عملية التفاعل أو إنهاءها حين الضرورة و هذا المثبط هو أهم عنصر من عناصر أمان المفاعلات النووية. هذه الأجزاء الثلاثة – و ربما أجزاء أخري – موضوعه في وعاء أسطواني ضخم ربما يصل ارتفاعه 10 أمتار و قطره 4 أمتار و سمكه قد يصل إلي 30 سم من صلب مخصوص . و صناعة هذا الوعاء و التأكد من نقائه عملية تكنولوجية معقدة لا تقوم بها إلا دول قليلة.

فكيف يعمل المفاعل؟
هناك طرق عديدة و نعرض لأشهرها و هي مفاعل الماء المضغوط – أكثر الأنواع أنتشارا – يجري تشغيل المفاعل برفع أعمدة الأمان و أطلاق نيوترونات فيبدأ التفاعل المتسلسل داخل المفاعل. و لان أجزاء المفاعل المذكورة سابقا كلها موضوعه في وعاء واحد به ماء و تحت ضغط شديد ترتفع درجة حرارة الماء من الطاقة الناتجه عن الانشطار . تقوم طلمبات ضخمة بسحب الماء الساخن و ضخ ماء بادر جديد و يؤخذ الماء الساخن إلي مبادل حراري – يشبه الرادياتير في السيارة – فيمر الماء الساخن القادم من المفاعل في أنابيب علي ماء أخر بارد فترتفع درجة حرارة هذا الماء البارد و تنخفض درجة حرارة الماء الساخن القادم من المفاعل و يعود ثانية عبر المضخات للمفاعل . أما الماء الذي تم تسخينه فيتحول لبخار يدفع تربينات تدور لتولد طاقة كهربائية. و الرسم يوضح هذه العملية المعقدة و جدير بالذكر أن شركة المراجل البخارية التي تم تدميرها كانت تقوم بصناعة المبدلات الحرارية لانها مطلوبة في صناعات كثيرة.

المفاعل الكندي
المفاعل الكندي هو مفاعل الرجل الفقير . فهو لا يحتاج ليورانيوم في درجة إثراء عالية بل يمكن حتي أن يستخدم يورانيوم طبيعي و كذلك لا يحتاج لأوعية ضخمة معقدة تكنولوجيا لكنه بدلا من الماء العادي يستخدم الماء الثقيل. و جزئ الماء العادي يتركب من ذرة أكسجين و ذرتين من الهيدروجين بينما الماء الثقيل يتركب من ذرة أكسجين و ذرتين من الهيدروجين (الثقيل) الذي تحتوي نواته علي نيوترون إضافي. و الماء الثقيل موجود في الطبيعة بنسبة طفيفه جدا . و يمكن أنتاجه صناعيا حتي كناتج ثانوي لعمليات صناعية أخري – يقال أن شركة كيما باسوان كانت تنتج ماء ثقيل بكميات صغيرة فيما مضي و لكنني لست متأكدا – و لأن هذا النوع من المفاعلات أبسط و أسهل و أرخص فقد بدأت به الدول الفقيرة مثل الهند و باكستان . لكن لهذا النوع مشكلة كبيرة جدا و هي مشكلة سياسية . هذا النوع ينتج الكثير من مادة البلوتونيوم و هي مادة يسهل استخدامها في صناعة القنابل الذرية. و مادة البلوتونيوم تنتج بشكل ثانوي فاليورانيو 238 الذي لا ينشطر يتحول لبلوتونيوم حينما تصطدم به نيوترونات و تكاد تكون كل المفاعلات تنتج بلوتونيوم غير أن المفاعل الكندي ينتجها بدرجة أكبر كثيرا. لذا تعارض الولايات المتحدة و دول أخري نشر هذا المفاعل الكندي معارضة شديدة . و بالنسبة للهند فحجمها الهائل منع عنها المعارضة الأمريكية و كذلك صراعها مع الصين – عدو أمريكا حينذاك – أما باكستان فالولايات المتحدة شجعت باكستان علي صناعة القنبلة الذرية كي تقف في وجه الهند – حليف الاتحاد السوفيتي -

هل المفاعلات النووية آمنة؟
أكبر قضية تواجه المفاعلات النووية هي قضية الأمان و هي قسمين كبيرين . القسم الأول متعلق بمستوي الإشعاعات و مخاطر الحوادث النووية القسم الثاني متعلق بكيفية التخلص من النفايات النووية. و من الصعب تناول كل جوانب هذا النقاش الواسع الذي جري لعشرات السنوات حول هذه القضية.
المفاعلات النووية أثارها البيئية في حالة التشغيل العادي أقل من الأثار البيئية لأي نوع أخر من محطات توليد الطاقة الكبيرة و حتي المحطات المائية لها أثار بيئية ضارة . و قد طورت الصناعة النووية مستوي معين عالي من الدقة و الجودة تستخدمه في كل مراحل أنتاج المحطة النووية بدء من التصميم حتي أختيار المواد الخام و المكونات الخ الخ و كل هذا لتفادي الحوادث و ربما لو عملت المفاعلات النووية بالمستوي الصناعي العادي لكانت تكلفتها نصف تكلفتها الفعلية الآن. و الحادثتين النوويتين الأكثر شهرة – حادث شرنوبل بروسيا و حادث فوكوشيما اليابان المركب – كلاهما ناتج عناصر غير نووية . ففي شرنوبل وقعت الحادثة بسبب أجراء تجربة لا ضرورة لها و بشكل غير مصرح به . أما في اليابان فأن الزلزال و السونامي الذي تبعه هو الذي أدي للحادثة . و قد صمد المبني للزلزال بينما لم تقوم الشركة بعمل الوقاية اللازمة من السونامي رغم أن مفاعلات مماثلة – مثلا في سان ديجو كاليفورنيا – لها حماية قوية ضد السونامي . و رغم هذه الحوادث المروعة فأنها ليست أكبر الحوادث الصناعية و قد انفجر منجم فحم قريبا في تركيا فقتل مئات العمال
أما قضية التخلص من النفايات فهي قضية هامة و لم تحل بعد بشكل نهائي . لكن في حالة مصر فأن القسم الأكثر خطورة من هذه النفايات سيعاد تصديره للبلد التي ستورد الوقود النووي . لان هذه النفايات تحتوي علي البلوتونيم كما ذكرنا و هي مادة يسهل استخدامها نسبيا في صناعة القنابل الذرية.

مدي أنتشار المفاعلات النووية
هناك أكثر من 400 مفاعل نووي تجاري تعمل حاليا و عشرات أخري تحت الإنشاء كما أن هناك مئات المفاعلات التي تعمل في الغواصات النووية و السفن و حاملات الطائرات الخ بالإضافة لذلك هناك مئات من المفاعلات البحثية و التجريبية تقريبا في كل دول العالم. و كل دول العالم الأكثر حرصا علي نقاء البيئة – مثل السويد و سويسرا – و أيضا الأكثر غني و قدرة تعتمد علي المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة و فرنسا مثلا معظم الكهرباء فيها من المفاعلات النووية . و حتي الولايات المتحدة التي لديها احتياطيات هائلة من الفحم و البترول و الغاز تعتمد لحد كبير علي المفاعلات النووية . و هذا بسبب أن المفاعلات النووية تنتج كهرباء رخيصة بدون تلويث البيئة بانبعاثات الغازات الضارة مثل أكاسيد الكربون و الكبريت.

مصر و المفاعلات النووية
مصر كانت سباقة في دخول العصر النووي بإنشاء مركز أنشاص الذي يحتوي علي مفاعل بحثي صغير (بقدرة 2 ميجا) و حتي العلماء الهنود الكبار تدربوا في هذا المركز. و في عام 64 عرض علي مصر إنشاء مفاعل لتوليد الكهرباء – كبير بمقياس أيامه 150 ميجا و الطريف أنه كان يتكلف فقط 50 مليون دولار – لكن القيادة السياسية لم تقبل به باعتبار أنه سيستفز أعداء مصر . و بعد حرب 73 وقع السادات مع الحكومة الأمريكية اتفاقية لإمداد مصر بمفاعلين نوويين ليتم إنشاؤهما في سيدي كرير. غير أن الحكومة الأمريكية كانت تماطل . و في أوائل الثمانينات طرحت مصر مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية في الضبعة علي الساحل الشمالي . و كانت خطة وزارة الكهرباء وقتها تقضي بإنشاء 8 مفاعلات قبل العام 2000 !و لو كانت هذه الخطة قد نفذت لما كنا نعاني اليوم من نقص الكهرباء. و تعرض هذا المشروع لضغوط أمريكية كبيرة -بما في ذلك أن بنك الاستيراد و التصدير الأمريكي رفض تصدير معدات المشروع - و لم تكن هناك أرادة سياسية مثل أرادة عبد الناصر حينما رفض البنك الدولي تمويل السد العالي. و في عام 1986 وقعت حادثة شرنوبل و أدت إلي أيقاف العمل بالمشروع تماما. فقضية المفاعل النووية كانت دائما مشكلتها الأساسية هي غياب الإرادة السياسية الواعية. و موقع الضبعة مرشحا الآن لقيام المشروع النووي و هو موقع صرف عليه مئات الملايين للتأكد من ملائمته لمثل هذا المشروع. و يقال أن طرح المشروع الجديد للمناقصة العالمية سيجري قريبا و لا نعلم هل هناك أرادة سياسية جاهزة لدعمه أم لا
الجانب الأخر هو الجانب البحثي التدريبي. و قد كان مفاعل أنشاص و هو صناعة سوفيتية مركزا بحثيا تدرب فيه مئات الفنيين في تخصصات مختلفة . و هذا المفاعل قادر من المسمي sub critical أي أنه لا يصل فيه التفاعل المتسلسل للكمال كما في المفاعلات التجارية الكبيرة . و هذا المفاعل يقدم للباحثين خبرة أجراء التجارب العلمية كما يمكنه أنتاج النظائر المشعة المستخدمة في الطب. و قد تقادم هذا المفاعل و تم شراء مفاعل بحثي أخر من الأرجنتين لكن قدرته أكبر . و في الحقيقة يمكن للعلماء في مصر صناعة مفاعل بحثي لو اعطي لهم التمويل و الدفعة السياسية الضرورية فمفاعل الابحاث ليس معقدا جدا مثل المفاعل التجاري و صناعته تكسب خبرة فنية ضخمة في التصميم و التفيذ بالطبع مع التعاون مع أحدي الدول لتوريد الوقود اللازم.

أخيرا
أن حاجة مصر للكهرباء كبيرة. و بينما يجب الاعتماد علي مصادر مثل الشمس و الرياح إلا أن هذه المصادر لا توفر الحاجة الضرورية لما يسمي و هي محطات كبيرة تنتج كميات كبيرة من الطاقة و تغذي الشبكة العامة بشكل متواصل و دون انقطاع . و المحطات النووية مهمة من هذه الزاوية و هناك أهمية أخري مجتمعية و هي أن بدون مثل هذه المفاعلات لن يكون لدي مصر كوادر علمية و تكنولوجيا ضرورية في العصر الحديث. فحتي أصغر مكونات المفاعل تتطلب مستوي معين من الجودة و الإتقان.


مفاعل نووي و في المنتصف قلب المفاعل و الجزء المربع فوقه هي أعمدة الامان و يحيط بالقلب 4 مبدلات حرارية متصلة بالمفاعل عبر طلمات أم الالجزء الظاهر في الخلف فهو جهاز يحافظ علي مستوي الضغط و هذا المفاعل من نوع مفاعلات الماء المضغوط

وعاء المفاعل و قد رفع الغطاء و ظهر الوقود تحت الماء


رسم للمفاعل الكندي و هو عكس المفاعل التقليدي يوضع الوقود بشكل افقي بينما في المفاعل التقليدي رأسي و فوق المفاعل أعمدة الأمان

رسم توضيحي لطريقة عمل المفاعل النووي

صورة لوعاء المفاعل و تظهر ضخامته

صورة لاعمدة الوقود مرتبة بطريقة معينة كل كتلة مربعة تحتوي علي عدد من أعمدة الوقود
صورة تخطيطية للمفاعل الوعاء يحتوي في الاسفل الوقود النووي - الاشكال المربعة مغمورة في الماء و أعلاها فتحات دخول و خروج الماء ثم غطاء الوعاء ثم أعمدة الامان تقف أعلي المفاعل

No comments:

Post a Comment