Monday, June 21, 2010

دور التعذيب في الصراع الاجتماعي

دور التعذيب في الصراع الاجتماعي
دفع مقتل خالد سعيد علي يد الشرطة قضية التعذيب إلي واجهه النقاش. و رغم ذلك فثمة أسئلة جوهرية ما زالت لا تُطرح مثلا أذا كان التعذيب قديم قدم الدولة المصرية فما هو الجديد؟ و مثلا هل فعلا تحتاج الدولة إلي التعذيب أم إنها مجرد عادة أو ما يسمي "ثقافة" و ما هي جذور تلك الثقافة أن كانت حقا كذلك. و بدون الإجابة علي مثل تلك الأسئلة لا يمكن بناء منظومة شعبية فعالة لمناهضة التعذيب.
في العصر الناصري كان التعذيب وسيلة رسمية و تحت سياطه قتل معتقلين كثيرين و الاحتفال بشهدي عطية الشافعي مضي منذ أيام قليلة فقط. لكن التعذيب الناصري كان أداة في مواجهه القوي السياسية التي لا تلزم الخط "الوطني" – حسب العبارة الناصرية – أي الإخوان و الشيوعيين. و النظام الناصري كان مبني علي أساس هيمنة الدولة الشاملة علي كل نواحي الحياة. فالدولة تقدم التعليم و التوظيف و الغذاء و كذلك السياسية "الوطنية" و لم يكن مقبولا أن تقوم جهه آخري بتقديم السياسية حتي لو كانت مؤيدة للنظام الثوري – مثلا الشيوعيين -. كان غرض التعذيب ليس الوصول لمعلومات أو إكراه المعتقلين علي الاعتراف – كما هو شائع – و لكن الإبقاء علي احتكار النظام الناصري للسياسية. فغرض التعذيب هو القتل سواء الجسدي أو المعنوي. لكن خارج تلك الدائرة لم يكن التعذيب شائعا لسبب بسيط أنه لا حاجة إليه. بالطبع كان هناك فساد و سؤ أستخدام للسلطة من قبل مسئولين في الأمن – و هذا أمر لا يمكن تجنبه في نظام شمولي.
حينما جاء السادات كان شعار أغلاق المعتقلات و حرق شرائط التجسس أحد شعاراته البارزة مستندا إلي المطالبة الشعبية من ناحية، و تصوره هو عن مدي شعبيته نتيجة حرب أكتوبر و أوهامه عن الرخاء الذي سيجلبه الحليف الأمريكي الجديد لمصر ناهيك عن ضرورة أخراج الحلفاء الجدد – الإخوان – من المعتقلات كي يساهموا في عملية الانتقال لليمين الجارية. و خابت توقعات السادات علي كل صعيد . فلا الشعب أكتفي فعشرات الألف الذين تركوا الجيش و الذين عادوا لمدنهم لم يجدوا الدولة الراعية لمطالبهم المتراكمة منذ سنوات. و القوي السياسية لم تكتفي بالمنابر و بالطبع الحليف الأمريكي لم يقدم الرخاء الموعود. و حتي الحلفاء الجدد – أو شبابهم - طعنوه في الرقبة في الاستعراض العسكري. لذا فبعد سنوات قليلة عاد السادات للتهديد و الوعيد و أعلن أن للديمقراطية أنياب ستفرم المعارضين. و عدنا إلي التعذيب كسياسية رسمية.
و كان لابد لخليفة السادات أن يتعظ من أن سياسية الصدمات – هكذا كان السادات أحيانا يسمي سياسته – غير مجدية و الأفضل التزام الحذر و عدم الاستجابة لأي مطلب شعبي. غير أن أيا كانت سياسية مبارك فأن عنصريين أساسيين حددا موقف الدولة من التعذيب. و هما عنصرين مترابطين. أولهما حالة الإحباط الاجتماعي الواسع نتيجة للسياسيات الاقتصادية التي أدت إلي إفلاس الدولة عام 87 و تركت ملايين المصريين يرزحون في الفقر و الجهل بدون أي أمل أو معين. و من ناحية أخري تفجر ظاهرة الإرهاب اليميني الديني – جماعات الجهاد و الجماعة الإسلامية – التي مثلت تحديا غير مسبوق للدولة سواء في وسائلة أو في غاياته. فلم يسبق قط أن أخذت جماعة كبيرة علي عاتقها الإطاحة بالنظام بقوة السلاح. و لم يسبق قط أن وجد مثل ذلك المفهوم شديد الرجعية للدين في مصر. و هناك صلة وثيقة بين العنصرين (الإرهاب و الإحباط الاجتماعي). بل هناك صلة وثيقة بينهما و بين سياسات السادات و مبارك. فبمعنى ما كلاهما ساهم في أنعاش جماعات الإرهاب الديني – من خلال لجوء النظام للدين كسند للشرعية. و كلاهم بالقطع مسئول عن التدهور الاجتماعي و الإفقار الواسع للمصريين.
و في مواجهه الإرهاب و في غياب حركة اجتماعية مناهضة للإهدار حقوق الإنسان قامت قوات الشرطة في مواجهه الجماعات المسلحة بما يمكن تصوره و ما لا يمكن من التعذيب و القتل خارج القانون و الاعتقال العشوائي و اعتقال أفراد الأسرة كرهائن الخ. بل أننا حتي الآن لا نعرف حجم ما حدث تحديدا و لا من قتل و لا من أعتقل بل لا نعرف مجرد أعدادهم. بالإضافة إلي ذلك أستعانت الشرطة بالخارجين علي القانون لتعقب خصومها السياسيين الخ. و كنتيجة فجهاز الشرطة أصبح يضارع الجيش و من المؤكد يتفوق علية عدديا و يلتهم أكثر من التعليم و الصحة مجتمعين من الميزانية العامة. تحولت شرطة التعذيب إلي سند النظام الأساسي. و لكنه أيضا السند الذي نجح في هزيمة الجماعات المسلحة أيا كانت الوسائل المتبعة. مواجهه الإرهاب أفرزت أضخم جهاز إرهابي عرفته مصر في تاريخها.
علي صعيد آخر أدي الإفقار الواسع دون حركة منظمة للمقاومة إلي تفشي الأمراض الاجتماعية المعروفة الأجرام و البلطجة و الدعارة و المخدرات الخ. و لم يكن يمكن للقوانين الجنونية التي سنت أن تقف عائقا. فمثلا تصل عقوبة المخدرات إلي الإعدام و هي عقوبة جنونية في بلد يعتبر تعاطي الحشيش فيه عادة اجتماعية متفشية بين كل الطبقات. و هناك تسعة أشخاص حكم عليهم بالإعدام في جريمة أغتصاب واحدة الخ. فهناك جموع غفيرة لا يفرق معها كثيرا أن تكون داخل السجن أو خارجه. ثم أن اللجوء للجريمة يأتي بنتيجة أحيانا. تماما كما يزحف ألألاف إلي البحر كي يصلوا إيطاليا أو اليونان و هم يعلمون تمام العلم أن غيرهم قد لقوا حتفهم في المحاولة لأنهم أيضا يعلمون أن بعضا من السابقين نجح من ناحية و لان الوضع أصبح لا يطاق. و إزاء تصاعد الجريمة و فشل القانون حتي أن أحياءا كاملة أصبحت خارج سيطرة الأمن في كثير من المدن ناهيك عن سيناء التي يتم فيها دوريا أختطاف رجال الأمن و أطلاق النار عليهم، ليس هناك سوي القمع الوحشي من قبل الشرطة. تطبيقا لقاعدة "أضرب المربوط يخاف السايب" و هنا يختلف نظام مبارك جوهريا عن النظام الناصري فالتعذيب – و أهدار حقوق الإنسان علي عهد عبد الناصر – لم يكن ضرورة للتعامل مع أوسع قطاعات الشعب بينما في عهد مبارك أصبح لا مفر من القمع الوحشي للحفاظ علي النظام. أصبح التعذيب أداة أساسية للحفاظ علي النظام كما هو.من المهم هنا أن نلاحظ أن الطبقة الحاكمة كانت أول من أدخل الجريمة كأداة للصعود و جني الأرباح بدء من القطط السمان في العهد الساداتي ألي نواب القروض مرورا بشركات توظيف الأموال. فالجريمة و الفساد كانت عنصرا أساسيا في تشكيل الطبقة الحاكمة التي نعرفها اليوم.
و علي خلفية دور النظام في صنع و مواجهه الجريمة يأتي موقف الشرطة من النشاطات القانونية للنشطاء و غيرهم. لقد أصبح القانون – علي رداءته - غير ذي قيمة في مجمل منظومة الصراع فلم نتصور أنه سيكتسب قيمة في مواجهه مع سكان طوسون أو سرنداو أو نشطاء في ميدان التحرير. كل فعل يتم تحديد مدي شرعيته لدى جهاز الشرطة ليس أنطلاقا من طبيعته و أنما عمن يصدر. فإذا كانوا فلاحين يدافعون عن أرضهم فهم مدانون مثل متعاطي المخدرات و المتظاهرين فالجميع من الطبقات الشعبية. أما إذا كان الفعل صادر عن عضو في جهاز القمع أو في السلطة فهو أما فعل قانوني أو في أسواء الأحوال فعل يجب أن تتوفر له كل شروط المحاكمة العادلة.
أن المفهوم الماركسي عن الدولة كأداة للقهر الطبقي يتجلى لدينا بأوضح صورة. فعند ماركس الدولة جهاز قهر طبقي في كل المجتمعات الطبقية لانها تحافظ بالنار و الحديد علي علاقات الإنتاج و الملكية متستره وراء قوانين و نظم وضعت من قبل ممثلي الشعب. و هي حقيقة نظم و قوانين هدفها النهائي الحفاظ علي الوضع القائم. و ربما لم يكن يتصور أن هذه الدولة تمضي إلي المواجهة مع طبقات الشعب و قد تجردت من كل قانون و أي نظام في مواجهه مفتوحة. تخفف جهاز الدولة المصري من النظم و القوانين لأنها لم تعد مجدية في مجتمع أنهارت فيه طبقات كاملة بفعل الإفقار المتواصل و غياب منظومة مقاومة.
و أستطرادا مع المفهوم الماركسي فالتزام جهاز قمع الدولة بالقوانين ليس مجرد حلية و أنما الغرض منه أن تبدو الدولة كما لو كانت حكما عادلا بين الطبقات فيصبح غضب الشعب موجها إلي جهه آخري. و لا يتم عادة التحلل من هذا القيد إلا في المواجهات الكبري و الحروب الأهلية. لدينا فأن ازدراء القانون الدائم من قبل الشرطة – الذي تفرضه طبيعة المواجهة – يجعل جهاز الدولة مكشوفا أمام غضب الشعب – و هو الأمر الذي نلاحظه يوميا – و بالتالي يعمل أيضا ضد هذا الجهاز. و طالما ظن شاة أيران السابق أن جهاز السافاك يحميه حتي قامت الثورة الإيرانية و أتضح أن سنوات الحماية كان ثمنها التخلص النهائي من الشاه نفسه.
الدولة بأجهزة أمنها و جنودها المدججين بالسلاح و المدرعات يقفون ضد الجريمة بكل وسيلة ممكنه تلك الجريمة التي تسببت فيها الدولة نفسها بأنكار حق الملايين في مجرد العيش. أننا أمام حرب مفتوحة بلا رادع .التعذيب في مصر هو أداة رئيسية في الصراع الطبقي و ليس مجرد سلوك شائن لضابط منحرف و لا حتي سياسة وزير سادي النزعة. علي العكس هذه الأداة الضرورية هي التي تخلق الضابط المنحرف و تكرس الوزير السادي. و بدون السلوك الإرهابي للشرطة كان سيتحتم علي الطبقات المالكة أن تمنح الشعب بعضا من الحقوق الاقتصادية و السياسية.
سياسية التعذيب يجب مواجهتها علي هذا الأساس و ليس علي أساس حقوق الإنسان فحسب. بداية يجب أقرار أنه لا يمكن مواجهه الجريمة دون أعادة ولو قدر من التوازن لعلاقات الطبقات في المجتمع. دون أن تأخذ الطبقات الشعبية نصيبا أكبر من الثروة القومية و السلطة لا يمكن القضاء علي الجريمة. ثانيا لابد من الوقوف بحزم أمام السلوكيات الإرهابية من قبل جهاز الشرطة باعتبارها أداة في صراع طبقي و ليس مجرد تجاوزات أو حتي سياسات خاطئة بل سياسة مقصودة تماما في صراع دائر. لابد من تعليم الطبقات الشعبية أن الجرائم سببها ليس أن هناك أشخاص شريرين و أنما هي رد فعل شعبي للأوضاع القائمة. و أن مواجهه الجرائم بالعنف البوليسي في أقسام الشرطة هو جزء من حرب طبقية. و أن الحل لن يأتي إلا بأن تقف الطبقات الشعبية موحدة و منظمة كي تنتزع حقوقها و تفرض سلوكا محددا علي جهاز الشرطة. و تعطي نفسها صلاحيات الرقابة الصارمة له ليل نهار.


1 comment:

  1. لا يبدو لى ها البحث سوي تكرار للافكار العتيقة حول أن التاريخ يصنعه الزعماء و القادة. و هو الامر الذي بدء أبن خلدون في فضحة حينما ركز على دور العرق في تشكيل خصائص الناس و سلوكهم. فمثلا تحليل أنتقال البيض للضواحي في الولايات المتحدة لم يؤسس للعنصرية فالعنصرية قائمة فيها قبلها بقرون الخ. و تناول التوسير و غرامشي يدل علي سوء فهم للاثنين من قبل المؤلفين

    ReplyDelete