Wednesday, October 28, 2009

اليسار الغبي

اليسار الغبي


لا أعرف يسارا أغبي من اليسار المصري. و أن لا أقول هذا علي سبيل المجاز . فإذا كنت معارضا - مثل حالة اليسار - و كانت هناك فئة ما من الشعب مضطهدة. ثم لم تحاول أن تتواصل مع هذه الفئة أليس هذا نوعا من الغباء ؟ ما بالك و هذه الفئة تشكل حوالي 7٪ من المصريين. و ما بالك أن كان قطاعا واسعا من المصريين يتعاطف فعلا مع هذه الفئة و يعتبرها مضطهدة
من هي هذه الفئة التي يستدير اليسار المصري لها هي المسيحيين المصريين. خذ عندك مركز الدراسات الاشتراكية أنبري و اصدر بيانا لان المنقبات منعوا من دخول المدينة الجامعية و وقف في صفهم. لكن هذا المركز نفسة لم يحرك ساكنا و حوادث الاعتداء على المسيحيين تتوالي و تكاد تكون يومية!! هل مركز الدراسات الاشتراكية تحول إلى مركز إخوانجي؟ أم هو الغباء السياسي؟ و قيس علي هذا لم ينبري مركز يساري واحد كي يقف إلي جانب فئة مضطهدة و يمارس ضدها العنف
و لا شك أن هناك يساريين في قلب حركة الحريات المدنية و حركة المطالبة بالعلمانية و حركة المطالبة بالمواطنة و لكن اليسار كمؤسسات لا يحتضن هذه المفاهيم و لا تقيم لها وزنا ألا أحيانا بشكل عابر و لفظي فقط و مختل فوق عن ذلك
و مرجع غباء اليسار هو أن الأغلبية الشعبية تتبني شكلا من أشكال التمييز الديني لهذه الدرجة أو تلك. و كذلك لأن قطاعا من مؤيدي تلك الفئة المضطهدة هو في غاية اليمينية بالإضافة إلي الخلل النظري لدي اليسار الذي يجعله غير قادر علي صياغة مفاهيم صحيحة عن عملية التغيير الاجتماعي شكرا بشكل جزئي لليسار الأوربي و تأثيراته السلبية علينا. و أخير لأن اليسار ما زال مغرما باليمين الديني و يبني عليه الأوهام.
اليسار يتصور أن معركته مع الحكومة أو النظام و ليست مع المجتمع . اليسار يري أن الجماهير الشعبية هي مثال الكمال. و لا يوجد أغبي من هذا و أبعده عن الصواب. أن النظام ليس نظاما ألا لان المجتمع علي ما هو علية. و الجماهير التي ستقوم بالتغيير تختلف تماما عن تلك الموجودة الآن. و لذا فهناك حاجة لأن تتعلم الجماهير كي تتغير.و لا يمكن أن يكون اليسار أمينا مع تلك الجماهير أن لم يشير الي نواقصها و و أسبابها. الميزة الأساسية للجماهير ليس وعيها و أنما أن مصلحتها مع التغيير.و بسبب تدني هذا الوعي و تخلفه فلا تدرك تلك الجماهير مصالحها الذاتية فكيف نتصور أنها لذا فدور اليسار هو أن يقول لهؤلاء الذين يمارسون التمييز الديني من الشعب هو أنهم يعملون ضد مصلحتهم و أن اليمين الديني – فى السلطة و خارجها – قد غرر بهم
ثم يتبنى اليسار مفهوما مثاليا – فلسفيا – عن قضايا الحريات العامة – مثل التمييز الديني - مفاده أن مثل تلك القضايا ستتلاشى تلقائيا مع التغيير الاجتماعي أو مع تغيير النظام. و هذا المفهوم شديد البعد عن المادية الجدلية التي يدعيها. فالأفكار و المعتقدات و العادات تكتسب قوة مادية طالما ترسخت بين الناس و لا يمكن التخلص منها دون مقاومتها علي الأصعدة الفكرية نفسها. لا يمكن التخلص من التمييز الديني دون محاربه هذا المفهوم و كشف معاداته للحرية و معاداته لمصلحة الجمهور. و ليس معني أن منبع التمييز الديني الأساسي أوضاعا مادية محددة أنه سيزول بزوال تلك الدوافع فقط غياب الدوافع سيفتح الباب لغياب نتائجها العلوية و لكن هذا البناء الفوقي لا مناص عن محاربته في ذاته
و أسخف من هذه النظرة النظرة الأكثر مثالية التي تري أن قضايا مثل التمييز الديني هي قضايا ليبرالية. كما لو أن اليسار جاء بعد الليبرالية كي يناقض الحرية و الأخاء و المساواة. اليسار موقفه الثابت أن الليبرالية تخون شعاراتها نفسها بفضل أنحيازاتها الطبقية. و اليسار يقدم – أو يجب أن يقدم – نفسه على أنه المدافع الحقيقي عن شعارات الليبرالية مثل الحرية و العلمانية الخ. لان هذا هو طريق مصلحة الشعب. بل أن اليسار يري أن كل البني الفكرية مثلا – القومية – التي تستخدم من أجل ترسيخ وجود الطبقات الرأسمالية هي بني يجب القضاء عليها لصالح الحرية. و ربما لهذا يقال عن اليسار – عموما – في أمريكا ليبراليين. لذا تستغرب حينما يتحدث من يعتبرون أنفسهم ماركسيين مصريين بتعال عن أفكار مثل التنوير و الحداثة و العلمانية الخ. تتعجب و لكنك تدرك أنهم لم يأخذوا من الماركسية ألا أسمها.
سياسيا يفقد اليسار الكثير بغيابه عن ساحه الحريات العامة. و ربما لو تأمل اليسار ما حدث قريبا في أيران لأدرك أن قضايا الحريات العامة – و من ضمنها العلمانية و مناهضة التمييز الديني - قادرة على تحريك الملايين. بل أن اليسار يكاد لا يري أنه مع الحركة الاحتجاجية تقف حركة مطالبة بالحريات العامة. و بينما الحركة الاحتجاجية تدافع عن أوضاع اقتصادية للطبقات الشعبية يجري الهجوم عليها من قبل الرأسمالية تقوم حركة الحريات العامة بالهجوم مطالبة بتغيير شروط النضال السياسي فى مصر. لا يمكن تصور مستقبل للحركة الاحتجاجية دون أن تتحالف مع حركة الحريات العامة و العكس صحيح. و اليسار – نظريا – هو الطرف المنوط به عقد هذه الرابطة لولا تخلفه السياسي بل و غباؤه
ثم أخير هناك ممالأة دنيئة من اليسار – أو قطاعات منه – لليمين الديني تجعله يترك طائعا ساحة النضال ضد التمييز الديني. ممالأة سببها أن بعض اليسار يتصور ذلك اليمين الرجعي بالغ التخلف يمكن أن يكون حليفا ! أن مثل ذلك لا يستحق أن يسمي ألا غباء محضا فلا شيء يبرره
أذا لم يتصدر اليسار كل حركة أحتجاج فليس له أمل في آي تغيير اجتماعي. أذا لم يكن اليسار مدافعا شرسا عن قيم العلمانية و الحداثة و مناهضا للتمييز الديني فليس هناك آمل فى أن يتطور كي يصبح قضبا فاعلا في الحياة السياسية و الفكرية في مصر. أذا لم يتخلى اليسار عن غباؤه فليس له الا أن يلوم نفسه.

1 comment:

  1. غياب الجرأة في تنقيح البالي من الأفكار, الاستخفاف بمحاولة فهم الواقع كما هو والتعامل معه بإنتقائية وتطويعه لخدمة النظرية اللي هي اصلا انشقاق عن نظرية تانية (تروتسكية, ستالينية, لينينلية, ماوية, الخ), اصرار غريب على تجاهل استخدام الأدوات الحديثة في الدعاية للأفكار, عدم استعداد الأغلب الأعم من اليساريين لمراجعة فكرة "التنظيم السري" الخزعبلية في عالم مفتوح, الخ هم من اهم المشاكل يعاني منها اليسار ويمكن فعلا وصفهم بالغباء لعدم تجاوزها.للأسف الشديد.

    افكار اليسار جوهرها هو الإيمان بقدرة الانسان على صنع وتغيير القدر لصالحه, حق البشر في الحياة بسلام ورخاء بلا استغلال او عنصرية وقمع. المبادئ الاخلاقية والإنسانية لليسار هي الأرقى بالتأكيد ولا اعتقد ان الزمن عفا عليها او تجاوزها.

    مقال غزة كمان حلو اوي
    تحياتي لجرأتك

    ReplyDelete