Thursday, September 10, 2009

الطريق لوحدة اليسار المصري

الطريق لوحدة اليسار المصري
هل تحتاج مصر لحزب يساري جديد؟
جبهه اليسار الاشتراكي
جريدة و حدة المناضلين
قبل البداية أحب أن انبه القارئ إلي أن كاتب هذه السطور غير مطلع بشكل كافي على دقائق وضع اليسار المصري و أن هذه المقالة تحاول استنباط توجهه عام مما هو معروف وشائع دون الالتفات إلي التفاصيل الدقيقة و ربما يُمكن الابتعاد عن الصورة الكاتب – و القارئ – من رؤية اشمل. , و علي آي حال هذا المقال هو نوع من النقاش بصوت عال يتطلب التعديل و المراجعة و النقد.
اليسار المصري تعبير فضفاض ربما يعنى أشياء مختلفة لكل منا و من المفيد أن نحدد المقصود به حتى يمكننا التقدم في النقاش علي أساس متفق علية. أعني باليسار المصري كل هؤلاء الذين يسعون أو يعتقدون في عدة نقاط أساسية
1 ضرورة أن تتحول مصر إلي جمهورية ديمقراطية تستمد السلطة شرعيتها فيها من الأغلبية الشعبية.
2 ضرورة أن يتم تعديل توزيع الثروة في مصر لصالح الطبقات الفقيرة بشكل من الأشكال
3 مركزية العداء لإسرائيل و الإمبريالية في كل توجهه سياسي مصري.
4 ضرورة أن تكون مصر دولة مدنية لا تميز علي أساس الدين أو العرق بين الناس على الأقل في أغلب الأمور
5 ضرورة النهوض القومي – سواء على أساس القومية المصرية أو القومية العربية – من خلال بناء صناعة و زراعه و بحث علمي حديث و أن تستعيد مصر نفوذها و مكانتها في محيطها الإقليمي
و هذه الأسس تجمع تحت مظلتها قطاع واسع جدا من الأحزاب و المنظمات و النشطاء فهناك الماركسيين و الناصريين و التجمعيين و ربما أقسام من حزب الغد و جمهور من غير المنتمين لكل هذا و تلاويين بلا حصر. و هذا الجمع السياسي رغم أتساعه هو حقيقة – حسب تقديري - أضعف القوي السياسية. و يمكن تصنيف القوي السياسية إلي اليمين الرسمي – الحزب الوطني – الذي هو بالقطع أكبر قوة سياسية في مصر – بصرف النظر عن كيفية تحققها - ثم اليمين الديني – الأخوان المسلمين و من على شاكلتهم – ثم الليبراليين أو الوسط العريض الذي يميل يمينا حتى لا تفرقة عن اليمين و يميل يسارا حتي تعده من ضمن اليسار و أخيرا قوي اليسار التي وصفناها للتو.
أما اليسار الماركسي فهو ذلك القطاع من اليسار الذي يعتبر الماركسية هي منهاجه في الفكر و العمل و هو يتميز بالسعي إلي الاشتراكية أو أفق أشتراكي أي كان معنى هذا. و اليسار الماركسي ربما هو أضعف أقسام اليسار. و هو الوحيد بين أقسام اليسار الذي لا يتمتع بحزب علني معروف. و سأركز فيما يلي على قضية وحدة اليسار الماركسي هذا دون سواه و أشير إلي وحدة اليسار بالمعني العام في الختام.
وحدة اليسار الماركسي كانت دائما أملا و شعارا بعيد التحقق و الماركسيين كانوا دائما ما يصرخون الوحدة كلما المت بهم ضائقة. و لا تنشأ تلك الوحدة إلا لتختفي تاركة الحسرة و الاتهامات المتبادلة.و لا يمكن ألا أن يكون هذا هو المآل طالما يتم التعامل مع قضية الوحدة ليس باعتبارها عملية نضالية تاريخية و أنما كانها صفقة يتم فيها الاتفاق بين حكماء علي أجراءات بيروقراطية في المحل الأول. لكن تبقي قضية الوحدة تتمتع بالوجاهة لان المنطق البسيط يقول أذا كانت مجموعه من البشر تتفق على أشياء كثيرة فيما بينها فالأفضل لهم أن يتحدوا ضمن أطار عام ما. فهل يمكن تحقيق ما عجز عنه الأولين؟ و بأى معني؟ و ضمن آي سياق؟
يجب قبل الإجابة أن نتعرف أكثر على مكونات هذا اليسار الماركسي الرئيسية. و هذه مهمه علي بساطتها شاقة و تعكس حال تشرذم الماركسيين. فكما هو معروف دائما هناك ماركسيين يرمون آخرين بالزندقة و الكفر و البعد عن أصول الماركسية و هناك آخرين يتهمون الأولين بالانتهازية و التخبط و الانحراف عن ما "علم بالماركسية بالضرورة" الخ. فلا يمكن الاتفاق حتي على من هم الماركسيين ! و سأضع معيارا مختلفا أرجو أن يوافقني علية القارئ ولو علي سبيل أستمرار النقاش فحسب. و هو معيار بسيط الماركسيين هم كل من يقولون عن أنفسهم أنهم كذلك آي كان مدي قرب فكرهم و ممارستهم من الماركسية “الحقة”.فما هي خصائص هذا الحشد من الماركسيين سياسيا و فكريا و تنظيميا و جماهيريا؟
الماركسيين في مصر ينقسمون طوليا الي مجموعات و تنظيمات قليلة العدد تنتسب الي مختلف أفرع – لست أدرى ما هي الكلمة اللائقة – الماركسية مثل اللينيين و التروتسكيين الخ. و جمهور غفير غير منتمي لتنظيم معين المعروفين باسم "الفرط". و تختفي و تظهر بين الحين و الأخر تنظيمات هنا أو هناك. و تلك المنظمات الماركسية علي الرغم من التطاحن بينها لا يمكن تمييزها علي أى أسس برنامجية. و سأقدم مثالا واضحا جدا و ملموسا لهذا. مثل الموقف من الحركة الإسلامية محك خلاف بين في عدد من القضايا و آخرها غزة و لحد ما إيران. و أنقسم الماركسيين بخصوص حماس مثلا إلي فريق يدعم حماس كمقاومة و فريق يري حماس جزء من المأزق الفلسطيني و ليس من الحل. و رغم حدة المناقشات ألا كلا الفريقين يقف مع "القضية الفلسطينية" و كلا الفريقين لا يري في حماس تعبيرا عنه بل يشدد المؤيدين على ضرورة نقد الأخطاء الخ. ناهيك عن أن لا يوجد من كل الفرق من يؤيد عباس أو السلطة. و لا أريد أن اقلل من أهمية الخلاف كل ما أريد أن أشير إليه هو أنه خلاف ليس برنامجي مطلقا . كما أنه ليس مؤثرا في الواقع – بحكم قله تأثير كلا الفريقين في الواقع. علي العكس يكاد يكون الماركسيين برنامجيا متطابقين حتي مع اليسار بمعناه العام فتري من يتحدث تحسبه قومي وطني فإذا هو يتحدث باسم منظمة ماركسية. أما الخلافات بعيدة المدي من نوع "الثورة الدائمة" و الأستالينية و اللينينية الخ فهذه رغم علو الصوت حولها أحيانا ليس لها أدني علاقة بالبرامج و السلوك العملي و هي قضايا ربما أمامنا عقود قبل أن نتصدى لها. و أرجو أن أستوقف القارئ هنا كي أوضح أنني بصدد رصد الحالة و ليس التقليل أو التهويل من طبيعة الخلافات. و أنا أدرك تماما أن خلافات تبدو بعيدة عن جوهر الماركسية قد تؤدي لأعظم الانشقاقات فلم تنشق الأممية الثانية مثلا ألا حول الموقف من الحرب – الحرب العالمية الأولي – و لكن في حالتنا فأن تقديري أن الأمور أبسط من ذلك كثيرا بسبب الضعف المزمن في كل من اليسار المصري و الحياة السياسية و الفكرية ككل. لذا فأنني لا أكاد أري فارق جوهري بين كل المنظمات و الأفراد الماركسيين حينما يكون الحديث عن البرامج. و ليس أدل علي ذلك من أن كل الماركسيين لا يرون أى أمكانية للتحالف مع النظام القائم بل و يرون ضرورة تعديلات جوهرية علي هذا النظام للخروج من المأزق المتتالية التي تسير فيها مصر كما أن كل الماركسيين يتفقون علي واقع التبعية و يرون العلاقة العضوية بين النظام و بين المركز الإمبريالي. و كذلك فأن كل الماركسيين يرون أنه لا يمكن تحقيق تنمية – و لو جزئيا - في التركيبة الحالية لعلاقات القوي بين الطبقات الشعبية و الطبقات المالكة. و كل الماركسيين يرون أن علمانية الدولة هي السبيل الوحيد للوصول لإنهاء التوترات الطائفية . و لم أسمع ماركسي واحد يقول عكس ذلك و أن كان هناك من هم كذلك فلا شك أنهم أقلة ضئيلة معزولة.
فكريا – يجب أن نكون صرحاء مع انفسنا – تمر الماركسية و الماركسيين بأزمة طاحنة. و على عكس نقاد الماركسية البرجوازيين فالماركسيين يعلمون أن ماركسيتهم تمر بأزمة طاحنة طويلا من قبل أنهيار الاتحاد السوفيتي. بل ربما كان أنهياره عاملا مهما للخروج من تلك الأزمة. و نحن نري أزمتنا مثلما رأي الفيزيائيين أزمة الفيزياء في مقتبل القرن العشرين. أزمة تتطلب العمل للوصول لحلول جديدة لأسئلة جديدة. و في صفنا تقف حقيقة أن الماركسية و الاشتراكية ما زالت ملهمة الجماهير في طول الدنيا و عرضها بعد قرن و نصف تقريبا من صدور رأس المال و علي الرغم من سقوط الاتحاد السوفييتي. بل في صفنا أيضا أن كل الحركات "الجديدة" – مثل العولمة و الخضر و التنمية المستدامة الخ. التي استقطبت عشرات الملايين تعترف بالماركسية كرافد و ربما حتى كمعلم. و في صفنا أنه لا توجد جامعة تحترم نفسها في العالم لا تدرس الماركسية باعتبارها أحد الأسس الفكرية لعالم اليوم . و في مصر فقد قدمنا بتواضع مساهمات متواضعه في تنمية الفكر الماركسي و لكنها مساهمات مهمة شكرا لأساتذتنا من أمثال الدكتور سمير أمين – آي كان موقفك من مساهماته – لكن قطعا التنظيمات الحالية و الماركسيين الحاليين أبعد ما يكونوا عن الوصول لهذا المستوي لكن مثل تلك الأمور لا تنضج سريعا يكفينا الأن أن تقريبا كل الماركسيين الجادين يعترفون بوجود أزمة في الماركسية و يرونها كما أسلفت.
الصورة جماهيريا مختلطة بعض الشيء .فحسب معلوماتي – التي أرجو أن تكون خاطئة – لا يوجد تواجد مؤسسي راسخ بين المنظمات المختلفة و بين الحركات الاحتجاجية التي ترج مصر من سنوات. توجد علاقات و صلات و أحساسي أن بعض المنظمات قطعت طريقا أطول كثيرا من الآخرين. لكن تبقي تلك علاقات شخصية في المحل الأول. بحيث لو أنتقل بضعة رفاق من هذه المنظمة لتلك ربما تتبدل معالم الصورة. فمن الناحية الأساسية لا يوجد تواجد واسع مع الحركة الجماهيرية. لكن طبعا توجد محاولات جدية في هذا الاتجاة و تبقي تلك القضية – كما يجب أن تكون – هي الهم الشاغل لكل منظمة و كل ماركسي فرط.
هذا هو الانقسام الطولي يقابله عدة انقسامات عرضية تشق اليسار بمختلف ألوانه و تقطع صفوفه و هي التي أراها أكثر أهمية و تأثيرا و أكثر هذه الانشقاقات شهرة هو الانقسام الجيلي – أو ماذا ؟ - فريق الشباب و فريق الشيوخ. و هنا أيضا أود أن استأذن القارئ في جملة أعتراضية طويلة. أن الماركسية هي نظرية لتغيير الواقع . و لكنها نظرية عامة. و لا يمكن تغيير الواقع حقيقة بالاستناد للماركسية. لكن يمكن تغيير الواقع باستنباط نظرية لهذا الواقع بالاعتماد على تلك النظرية العامة الماركسية. هذا أمر يعرفه كل مبتدئ في الماركسية فالماركسية دليل للعمل و ليست وصفة جاهزة. لذا فان كل النضال الماركسي في مصر يمثل تاريخا واحدا مهما تنوعت دروبه و تعددت مذاهبه هدفه الوصول إلي تلك الوصفة المصرية أو الماركسية المصرية الابتكار المصري القائم علي أسس تلك النظرية العلمية و الأدوات التي تتيحها. لذا فأنني أري التراث الماركسي المصري هو تراث لكل الماركسيين. فحدتو علي صلة وثيقة بتروتسكيين اليوم و تروتسكيين الأمس علي صله وثيقة بلينيين اليوم. مهما لعن هؤلاء هؤلاء. و تلك الصلة التاريخية لا تستبعد أشد النقد فلا شيء يستبعد النقد عندنا. لذا أعتقد أن أي ماركسي حقيقي لابد أن يفخر بالنضال الماركسي المصري منذ الحزب الشيوعي الأول و يعتبره تراثه الخاص و هو تراث مشرف رغم كل شيء. و لذا فأن أحد أخطاء تجربة السبعينات كانت عدم قدرتها علي الاستفادة من الحلقة الثانية – و الأكثر أهمية – من الكفاح الماركسي. و السبب هو من ناحية الانقطاع بين الحركتين و من ناحية عدم أعتراف كلتا الحركتين بالأخري. و هو خطاء مؤسف. و نحن الآن نواجه وضعا مماثلا بشكل ما. فالموجة الحالية تضم ممثلي ثلاث أجيال لكن أعتراف كل منهم بالآخرين محاط بعلامات الاستفهام. و الانقطاع فى الحركة هو مرة أخرى السبب بالإضافة إلي التناقض الطبيعي بين الأجيال الذي لا يعترف به كثيرا لدى الماركسيين. و هكذا نواجه خطر النشأة المستقلة مرة آخري و أن بشكل جديد.
ثاني انشقاق عرضي هو ليس انشقاقا بقدر ما هو نقص فادح. و هو ببساطة الجهل الفادح بالماركسية السائد بين كثيرين من الماركسيين بما فيهم من يحسبون قادة بشكل ما. و قد قلت أنني اعتبر الماركسي هو من يسمي نفسة كذلك. لكنك ايضا تتوقع أن يكون ملما بأبسط أسس الماركسية. و أذا استعارنا تشبيه الفيزياء فلا يمكن تصور فيزيائي لا يعرف التفاضل مثلا لانه أداة أساسية في هذا العلم. و لكنك تجد كثيرين من الماركسيين يجهلون الأسس الأولية للماركسية بشكل فاضح. و ظني أن هذا مرجعه أن الماركسية كانت دائما في بلدنا و بلدان كثيرة غطاء أيديولوجيا للقومية الوطنية. فكان الكثيرين يتبنون الماركسية اسما بينما هم حقيقة يريدون شكلا من أشكال القومية و الوطنية المتشددة. ثم المناخ السائد خاصة في هذا العصر من البعد عن التعمق في القضايا كنتاج لسيادة إعلام و ثقافة الاحتكارات. و بالقطع لا يمكن أنتاج ماركسية مصرية بدون ماركسيين قادة متعمقين و جمهور مطلع و متابع.
ثالثا تتميز كل المنظمات الماركسية بقلة النضج. و هذا ليس نقدا و أنما هو حقيقة تثبتها حداثة هذه الموجة و يثبتها الانقطاع الطويل السابق لها. و النضج أمر يأتي بالزمن النضالي. مثل هذا الزمن ضروري لانضاج الكوادر و انضاج المنظمة و خلق "شخصية" محددة لها يمكن رؤيتها و التعرف علي ملامحها. و لا يؤدي للنضج كون بعض الاعضاء كبار السن أو لهم خبرة. ما نتحدث عنه هنا هو الخبرة الكفاحية المشتركة لمجموعه من الناس تصهرهم سويا و تبرز معالمهم و تبرز منهم قادة و خبراء فى مجالات بعينها الخ. و من ناحية أخري تصقل اساليب و وسائل لمعالجه تضاريس مجرى النضال الصعب. و أنا اضع قلة النضج فى جانب الانشقاقات العرضية لانه يمس كل المنظمات القائمة دون استثناء
رابعا أنشقاق عرضي و الذي أنظر إليه باعتباره أخطر الانشقاقات قاطبة هو ما يمكن تسميته بالنضالية أو الكفاحية. و المناضل تعريفه بسيط هو من يكيف حياته الشخصية حسب مقتضيات النضال و ليس العكس. و هؤلاء أظنهم قلة وسط كل الماركسيين. و أنا لا أحمل علي غير المناضلين و لا ألومهم. فكما يقال كل ميسر لما خلق له. بل علي العكس أري الهجوم عليهم أحيانا أمرا ضارا. فالتغيير الاجتماعي في مصر يحتاج لكل عامل و لكل صوت أنتخابي و كل من يكتب قصيدة ذات مرة أو يقرأ كتابا الخ. ليس لدينا ترف استبعاد أحد من تلك العملية بل لدينا واجب أو لدي المناضلين تحديدا واجب أن يجدوا الأدوار الملائمة لكل من كان حسب قدرته. و لا شك أن أتساع الصراع في مصر سيجلب الكثيرين إلي ساحتة و سيغير من مواقف الكثيرين. لكن تبقي حقيقة ثابتة و هي أن هذا التغيير سيقوده المناضلين وحدهم. و من هنا مسئوليتهم المضاعفة.
يقود هذا التحليل لواقع اليسار الماركسي الي نتائج هامه – أذا وافقت علية – و هي أننا أمام لوحة فيها خطوط طول و خطوط عرض قاطعه و لكنها كلها بألوان شاحبة و بظلال مشتركة. أن هذه اللوحة في تقديري تشي بشيئين هامين أولهما أنه لا يتوفر أساس حقيقي لبناء حزب و احد من كل هذه المادة الخام طالما أنها على هذه الدرجة من البدائية و الاختلاط. ثانيهما أنه يتوفر أساس حقيقي متين لكل هذه المادة الخام كي تعمل سويا طالما إنها متقاربة بشدة من بعضها البعض. ضعف التبلور يضع عائقا أما وحدة حزبية جادة تفترض درجة من التماسك و التحدد و في نفس الوقت يوفر أساسا لعمل مشترك. أن الهدف الذي يجب أن يسعى إليه اليسار الماركسي هو بناء جبهه ماركسية جبهه لا تضم منظماته فحسب بل تضم كذلك كل الأفراد الفرط و كل المنظمات الجماهيرية أو شبه الجماهيرية التي ينشط فيها الماركسيين. جبهه ديمقراطية من حيث الوسائل أشتراكية من حيث التوجه.
و جبهه اليسار الاشتراكي تلك التي أراها ممكنه و ضرورية لا يمكن أيضا صنعها بان يجلس مجموعه من الحكماء فى غرفة مغلقة. بل لا يمكن لها إلا أن تنشأ من النضال المشترك لكل عناصرها المكونة و لكنه النضال الذي يعي أهميتها و يعي إمكانيتها و يتحرك في اتجاهها.
و هي حينما نتحدث عن وحدة اليسار يجب أن نركز أكثر علي التخلص من الانشقاقات العرضية لانها الأكثر تأثيرا في فاعلية اليسار ككل. بمعني أن المهمة الملحة هي التخلص من الصراع غير المجدي بين الأجيال و التثقيف بالماركسية و بناء وحدة المناضلين الماركسيين من كل لون و مذهب.فما هو الطريق لبناء جبهه اليسار الماركسي؟
في ظروف مختلفة طرح لينين مشروع جريدة لعموم روسيا. و في مطلع القرن الماضي كانت روسيا تعج بالحلقات التي تولي أهتماما بالغا للقضايا المحلية و التي كانت نابعة من حركه أجتماعية متنامية. كان غرض لينين تجميع تلك الحلقات في حزب واحد و التخلص من ضيق الأفق المحلي و طرح المهمات الكبري أمامها. و لينين طبعا كان يقصد جريدة تطرح وجهه نظره هو و من يوافقه. و يمكن ألاستفادة من هذا النموذج مع تعديله ليتناسب مع واقعنا الخاص. فالطريق الذي نريده هو وحدة المناضلين الماركسيين من كل مذهب. لذا فأننا نريد جريدة لا تطرح رؤية فريق معين و لكن رؤية كل الفرق و تتوجه أساسا للمناضلين – في مقابل التوجه لعموم الناس – و تعمل علي خلق ترابط كفاحي بين كل المناضلين من كل لون. و أذا أستعارنا مقاربه آخري لغرامشي حول الكتلة الحرجة. أو ضرورة وجود تيار سياسي ثقافي من وزن معين لتجاوز هيمنة أيديولوجية البرجوازية. يمكننا القول أن الغرض من الجريدة هو خلق مثل هذا التيار وسط الماركسيين علي أختلاف مذاهبهم. و علي أساس وحدة المناضلين يمكن بناء جبهه ماركسية أو يمكن حتي تلاقي فرق ماركسية معا. الغرض هنا ليس القفز علي الابنية القائمة بالعكس الغرض هو تعزيزها و توجيهها في سياق نضالي الغرض هو تجميع الطاقات و الخبرات الفكرية لكل المناضلين في نقطة واحدة و هذا هو ما يمكن من أنتاج وعي ثوري بعملية التغيير الاجتماعي و دورنا المحدد فيها. و جريدة وحدة المناضلين الماركسيين المقترحة هي جريدة غرضها أن تتناول قضايا النضال اليومي و قضايا النظرية الأبعد و كذلك التثقيف بالماركسية. مثل تلك الجريدة يجب أن يكون بابها مفتوحا لكل الفرق و أن توازن بين مختلف الأجيال. بل يجب أن تسعي لان تضم إلي تحريرها كل الفرق و كل الأجيال و يكون شرطها الأساسي هو الفاعلية في الواقع للمشاركين فيها. لذا اسمها جريدة وحدة المناضلين – ربما أي أسم آخر لكن هذا هو المضمون. و جرت العادة علي أن تكون مثل هذه الجريدة جريدتين أو مجلتين واحدة للقضايا العملية و الأخري للقضايا النظرية. و لكن يمكن توحيدهما حتي يصبح في الإمكان الوصول لهذا المستوي. أننا في تقديري لا نحتاج إلي حزب جديد و نحتاج إلي جبهه ماركسية لكنها غير جاهزة ببساطة لأننا لا نستطيع القفز فوق الواقع. نحتاج لجريدة تجمع المناضلين و تكون نواة جبهه ماركسية . و لان الماركسية هي أيديولوجية أممية فيجب أن تكون تلك الجريدة أيضا كذلك رابطة بين الماركسيين المصريين و ماركسيي العالم بان يكون فيها قسم بالانجليزية أو الفرنسية حسب الظروف و مراسلين ربما في أوروبا و أمريكا اللاتينية و الولايات المتحدة حتي و بالطبع الدول العربية. و هذا كله ليس شطحات فالاتصالات تسمح بهذا و يجب أن نستفيد منه.
أن الأمر الواضح لكل متابع لتطور العمل الجماهيري في مختلف بقاع العالم أنه يستند بالأساس إلي بني تنظيمية "فوق حزبية" من حركة كفاية لحركة رفض الحرب و من مناهضة العولمة إلي مساندة الحركات الاحتجاجية. و هذه الظاهرة اللافتة تعكس من ناحية تعقد الأزمات و أشتدادها و دخول ملايين كل يوم لحقل النضال و من ناحية أخري ضعف البناء الفكري للمنظمات الماركسية كل على حدة. لذا فان تبني منظور جبهه موحدة لليسار الماركسي تجمع بين المناضلين من كل لون سواء كأفراد أو منظمات حزبية أو منظمات جماهيرية هو أمر يتفق تماما مع الميل العام. و من ناحية أخري فأن رغم كل الضعف الفكري للماركسية المصرية فهي ما زالت ألاتجاه الوحيد الذي يقدم حلولا جدية لازمات الواقع المصري. لكن هذه الحلول الكفيلة بجذب ملايين لها يواجهها غياب راية موحدة للماركسيين تكون نقطة الالتقاء. و جريدة وحدة المناضلين الماركسيين المقترحة هي الطريق لبناء مثل تلك ألجبهة و هي المكان الذي يمكن فيه حل تناقضات بناء جبهه تستند إلي تيارات تنظيمية و جماهيرية و إلي أفراد و ألي أجيال مختلفة.
و ربما يتشابك هذا الطرح مع الطرح الاصلي لحزب التجمع. فحزب التجمع كان يسعي – أو علي الاقل يدعو – الي أن يكون حاضنا ليس فقط لليسار الماركسي بل لليسار بشكل عام. لكن التجمع أفتقد سمتين أساسيتين يجب أن تحرص عليهما الجبهه المقترحه و بانيها جريدة وحدة المناضلين، أفتقد التجمع للديمقراطية الداخلية الكافية لمعالجة تناقضات مثل هذا الوضع و أفتقد الارتكاز علي النضال في الواقع بشكل أساسي . فالتجمع يضم مناضلين بين صفوفه و لكن النضالية ليست هي عنوانه كحزب. و شكل الحزب ساهم لحد بعيد في خفض السقف الديمقراطي للتجمع و في وضع القيود علي الممارسة النضالية لاعضاؤة. نريد للجبهه الجديدة أن تتفادي مثل ذلك المصير بأن تكون ديمقراطية بناء و ممارسة و أن تكون نضالية توجها و لا سبيل للوصول الي هذا دون جريدة تقوم مقام معمل لاختبار مختلف الحلول التي قد تطرح لمثل هذا التوجه
يبدو أن هذا النقاش اتسع لدرجة أن نقاش اليسار ككل يجب أن ينتظر لمقال آخر.


No comments:

Post a Comment