Monday, June 8, 2009

اليسار و خطاب أوباما


اليسار و خطاب أوباما

شعرت بالإحباط و أنا أتابع بيانات اليسار الصادرة قبل مجيء أوباما إلي القاهرة. و قد أطلعت على بيانات "حركة اليسار المصري المقاوم" و "ائتلاف المصريين من أجل التغيير" و جملة من مقالات عديدة آخري. و مبعث الإحباط أن اليسار يبدو لا يقرأ المشهد العام القائم في منطقتنا و لا يدرك ما الذي يمكنه ضمن هذا المشهد. فالرئيس الأمريكي لم يكن له و لا لاحد آخر أن يتجاوز علاقات القوي القائمة على أرض الواقع. و اليسار في بياناته لا يقرأ هذه العلاقات و لا يجد لنفسة دورا غير ترديد مقولات قومية عتيقة .أن واجب اليسار سياسيا هو قرأة علاقات القوي في اللحظة المعينة و تحديد أنسب الطرق و الوسائل لترقيتها لصالح الطبقات الشعبية في مصر و هذا ليس خطاء سياسي فحسب بل هو – في تقديري – أخلال بالأمانة التي أخذها اليسار على نفسه تجاه جماهيره. و سألقى نظرة أولا على هذا المشهد قبل الانتقال إلي ما قاله أوباما.
بداية تبدو الأوضاع في "الشرق الأوسط" مطمئنه بالنسبة للامبراطورية الأمريكية. فمن ناحية تأكد أحتلال العراق بفضل تعاون المقاومة العراقية الإسلامية الرجعية مع المحتل الأمريكي و تحويلها مقاومة المعتدى إلي حرب طائفية. و بفضل تعاون الأحزاب الإسلامية الرجعية الأخري التي تسود الحياة السياسية في العراق الآن. و لذا تضع الامبراطورية جدولا لانسحابها العسكري من العراق و الاكتفاء بالاحتلال بأشكال آخري. و في الجانب الفلسطيني ساهم كل من نظام عباس و أنقلاب حماس في وضع القضية في أسفل نقطه لها حتي الآن. و رغم الطنطنة الفارغة بانتصار غزة فان الحملة الإسرائيلية البربرية على غزة أتت أكلها و غزة في أسواء حال و جنوب إسرائيل أهدء كثيرا. نفس الشيء يقال عن لبنان. فرغم "الانتصار الإلهي" لحسن نصر الله في 2006 فمنذ ذلك التاريخ و إسرائيل تنعم بالسلام في حدودها اللبنانية. و سوريا كمثل تسعي حثيثا كي تتفاوض مع إسرائيل عن طريق تركيا. المشروع الامبراطوري الأمريكي في مواجهته للمشروع الإسلامي الرجعي كسب الجولة بالنقاط حتي الآن. تتبقي أفغانستان و باكستان. و باكستان أهم ركائز هذا المشروع الإسلامي الرجعي. منها أنطلقت حركة طلبان الأفغانية و فيها نشاء تنظيم القاعدة. و لذا فأن المواجهة تتحول الآن إلي عقر دار ذلك المشروع الرجعي. و بالطبع كالمعتاد يساعد هذا المشروع خصومة من خلال حملات التفجيرات و الاغتيالات الخ التي تجري في باكستان مما أعطي للحكومة الباكستانية المبرر كي تشن عمليتها الكبيرة هناك. و سوف يلحق بها على الجانب الأفغاني مزيد من القوات ألتي أنتهت مهمتها في العراق.تتبقي إيران و هذه سنتناولها لاحقا
غير أن المشروع الامبراطوري الأمريكي يواجهه عقبات جمه رغم ذلك. أول هذه العقبات و أكثرها أهمية بفارق كبير هو أن الامبراطورية نفسها قد شاخت و تجاوزت عمرها الافتراضي. فالقوي الصاعدة – و الصين أولهم بالطبع – تطرق الأبواب بقوة و تسعي لفرض نفوذها و هيمنتها حيثما أمكن. و الامبراطورية محمله بأعباء ثقيله و في هذه اللحظة فأن أنهيار النظام المالي العالمي و الكساد الكبير الذي نعيشه يضعضع من سيادة الامبراطورية الاقتصادية التي طالما مولت توسعها. و غير القوي الصاعدة فأن عديد من الدول بدأت تخرج لهذه الدرجة أو تلك من تحت العبأة الأمريكية خاصة في أمريكا الجنوبية متشجعه بقوة تلك القوي الصاعدة و بالتحولات الاجتماعية التي تجري فيها ذاتها. أن الامبراطورية في لحظة حرجة من تاريخها. و يمكن القول أن منطقتنا رغم كل شيء هي الأفضل من المنظور الأمريكي.
ولكن الامبراطورية تواجهه في منطقتنا أيضا الغضب الشعبي و "الكراهية". غضب نابع من الإحباطات القومية و الاجتماعية، نابع من الفقر و التخلف و فقدان الأمل. و يجد هذا الغضب في المشروع الإسلامي الرجعي وسيلته الأساسية في التعبير عن نفسة و في مقاومة النفوذ الإمبريالي و الهيمنة. و بسبب هذا بالتحديد – اقتران الغضب الاجتماعي و القومي بالمشروع الإسلامي الرجعي – تسير المقاومة من سي لأسواء. و تتحول إلي قوة تدمير أجتماعي لا سابق لها من الجزائر إلي السودان إلي اليمن الخ. و هي لذلك تهز الأنظمة القائمة و تفقدها الشرعية دون أن تفتح نوافذ التغيير بسبب رجعيتها.و لكن هذا أيضا يهدد الامبراطورية.
و لا بد أن نتوقف عند العلاقة بين الامبراطورية و المشروع الإسلامي الرجعي. فعلاقتهما ليست و ليده اليوم و ليست كلها صراعا. بل علي العكس تماما. لقد كانت الامبراطورية هي التي أطلقت هذا المشروع. بدء من منظمة المؤتمر الإسلامي التي أعقبت المحاولة الفاشلة لإنشاء الحلف الإسلامي إلي دعم تحول النظم الموالية إلي أسس إسلامية من السادات في مصر إلي ضياء الحق في باكستان.بل كانت الامبراطورية هي التي أنشأت التنظيمات التي تحاربها الآن و دعمتها من طالبان إلي القاعدة. و كانت الأنظمة الموالية هي التي أستعادت الأخوان المسلمين في مصر و مجمل الحركات الإسلامية فى مختلف البلدان . بل أن الامبراطورية ما زالت تستعين بمثل هذه التنظيمات مباشرة مثل أستعانتها بتنظيم "جند الله" في مواجهه أيران و كذلك أستعانتها بما يسمي "تشييع" مصر الخ. و ليست كل المشاريع الإسلامية رجعية فمشروع محمد عبدة علي سبيل المثال كان مشروعا إسلاميا بامتياز و لكنه لم يكن مشروعا رجعيا بل كان رافدا مهما لثورة تقدمية في 1919. و لكن ذلك المشروع الذي أطلقته الامبراطورية كان لابد أن يكون رجعيا. و هو بعد تحالفه معها بدأ يشق طريقه الخاص مستفيدا من الإحباط الاجتماعي الواسع و الشروخ الاجتماعية التي صاحبت العولمة، و في نفس الوقت لوي عنق الرغبة العارمة في التغيير الاجتماعي و توجيهها بعيدا عن الثورة بل و لصالح أشد القوي تخلفا في المجتمع. المشروع الإسلامي الرجعي هو نتاج و داله هذا التوتر الاجتماعي و علامه قله نضجه.
و أيران تقف في موقع وسطي من كل هذا. فالشعب الإيراني نجح في ثورة عارمة فى ألإطاحة بديكتاتورية الشاة و بفضل عوامل عديدة تحولت الثورة الي تلك الديكتاتورية القومية الإيرانية التي ترتدي ثوبا إسلاميا. و قد أستفادت الجمهورية الإسلامية من عوائد النفط و من الحماقة الأمريكية في العراق كي تسعي لبناء نفسها كقوة إقليمية مؤثرة كما كانت إيران دائما و تسعي كذلك للخروج من تحت الهيمنة الأمريكية. و لكنها لم تكن لتتورط في مواجهه المد الأمريكي في العراق بل على العكس ساعدته ثم عملت على الإبقاء على التوتر في العراق بما ليمنحها الوقت الكافي لتطوير قدرتها الذاتية. و كان من الطبيعي أن تستغل و تستفيد من المشروع الإسلامي الرجعي بمحاوله تزعمها الجهاد ضد إسرائيل. و لا شك أن أيران لا تشكل خطرا مباشرا علي إسرائيل مهما أمتلكت من قوة نووية لأن إسرائيل أيضا تمتلك تلك القوة و لكنها تشكل عامل عدم أستقرار لإسرائيل بدعمها للمشروع الإسلامي – حزب الله و حماس – ثم أن ذلك الاحتياطي الثري من النفط أصبح في حد ذاته خارج نطاق السيطرة الأمريكية. لذا كان كثير من السياسيين الأمريكيين يعتقد أن الحملة على العراق كان يجب توجه لأيران. و ربما يعتقد آخرون أن الحملة على العراق كانت ضرورية بالذات بسبب أيران. و مجيء القدرة النووية للمعادلة يعقد الأوضاع كثيرا بالنسبة للولايات المتحدة حيث أن خطر أنتشار الأسلحة النووية من الممكن أن يصبح طريقا لدرجة ما من السيادة القومية بعيدا عن هيمنه الولايات المتحدة. باختصار فأن أيران تقيم مشروعها الخاص كي يتنافس مع المشروع الأمريكي و ربما مع المشروع الإسلامي الرجعي.
فما الذي قاله أوباما إزاء هذه اللوحة. في مواجهه الغضب و الكراهية لا مجال إلا لتهدئة النفوس. و هذا تحديدا ما فعلة الرئيس الأمريكي. فحينما يقول أن أمريكا لم و لن تعادي الإسلام يقول ما هو معروفا للجميع إلا هؤلاء الأشد تطرفا في أمريكا و في جبال باكستان. و تهدئة النفوس من خلال حملة علاقات عامة تفتح الطريق لعزل قيادة المشروع الإسلامي الرجعي في باكستان و أفغانستان و ربما حتي أستعادة التحالف القديم بين الإمبراطورية و ذلك المشروع بعد تهذيبه. فهذه ربما المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس أمريكي إلي ما يسمى العالم الإسلامي باعتباره كذلك . بما ينطوي على أعتراف بذلك المشروع مقابل الدول القومية التي يتكون منها ذلك العالم. و من السخرية أن يتحدث رئيس أمريكي من العاصمة المصرية عن العالم الإسلامي بينما مصر كانت دولة قومية قبل الإسلام و المسيحية و اليهودية جميعا. ليس هذا فحسب لكن من السخرية أيضا أن يستشهد الرئيس الأمريكي بمؤسسي الجمهورية الأمريكية و بالكتب السماوية المقدسة و قد قامت هذه الجمهورية على الفصل بين الدين و الدولة. لا شك أن هؤلاء كانوا يتقلبون فى قبورهم. و ثمة خلاف هنا عن الإدارة الأمريكية السابقة. خلاف أتاحته تحسن أقدار الامبراطورية في منطقتنا. فبينما كان هم الرئيس الأمريكي السابق هو الإطاحة بالمشروع الإسلامي يقدم الرئيس الجديد الحوار بعدما تلقي ذلك المشروع ضرابات موجعه و أصبح الحوار ربما عاملا في تفكيكه مع أستمرار الضرب في عقر دار المشروع كما أوضحت.
و مثل هذا يقال عن الموقف من القضية الفلسطينية. فلم يتقدم أوباما قيد أنملة عن أدارة كلينتون بهذا الصدد. فلا تم تحديد أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون على الأرض المحتلة في 67 و لا تحديد أن القدس عاصمتها الخ. و لا حتى موقف واضح من المستعمرات الإسرائيلية نفس ما تبنته أدارة كلينتون. بل حتى نفس ما تبنته أدارة بوش. غير أن أدارة بوش كانت تقول هذا دون أن تصحبه بآي موقف عملي من التوسع الاستعماري الإسرائيلي. لكن أدارة كلينتون بذلت جهدا خارقا لتحقيق ذلك. لكن ما عرض على ياسر عرفات فى كامب ديفيد (بوساطه إدارة كلينتون) لم يكن يمكن له قبوله – لانه ليس دولة و لا حتى دويلة - . و الآن يقدم أوباما نفس العرض مجدد مع الاستعداد لبذل الجهد. ربما يؤدي تضعضع القوي الفلسطينية إلي قبول ما رفضوه سابقا. باختصار شديد ليس من مصلحة الإمبراطورية أن تقوم دولة فلسطينية حقيقية مستقله و لا من مصلحتها أنهاء ما يسمي بالصراع العربي الإسرائيلي. و لو كان الأمر عكس ذلك لحدث هذا منذ وقت بعيد.
و حتي فيما يتعلق بالعراق لم يجرؤ أوباما على تقديم أعتذار للحرب التي كان يعارضها هو شخصيا. لان الحرب نجحت و المطلوب الآن هو فتح صفحة جديدة تقر ما حققته الامبراطورية حتى الآن.و لا يختلف الأمر أذا نظرنا للخطاب في زوايا الديمقراطية و حقوق الإنسان و الأقليات. نفس الأطروحات القديمة مع تغليفها بغطاء الاستعداد للحوار من أجل فتح صفحة جديدة على أساس المكتسبات التي حققتها الامبراطورية .
و تجاهل أوباما قضايا آخري محورية و أولها قضية الفقر و تجاهل قضية القواعد العسكرية و هي قضايا لا شك تفسد جو البهجة المطلوب لفتح صفحة جديدة.
باختصار لم يأتي اوباما بأى جديد و ربما حتى تراجع عن مواقف أمريكية سابقة أذا دخلنا للتفاصيل. كل ما يدعو ألية هو فتح صفحة جديدة على أرضية المكتسبات التي حققتها الامبراطورية الشائخة حتى الآن. و رغم ذلك أعتقد أن رفض زيارة أوباما التي عبر عنها الكثيرين هي ضرب من المراهقة السياسية. فليست هكذا تصاغ العلاقات بين الدول و المواقف التطهرية ليست إلا علامة غياب الرؤية السياسية. الشيء الجوهري الذي يجب على اليسار إدراكه هو أن بدون تغيير علاقات القوى على الأرض لا مجال لظهور منقذ من آي نوع و لا مجال لمطالبات بهذا أو ذاك. و مدخل تغيير علاقات القوي على الأرض هو بناء بديل حقيقي للمشروع الرجعي الإسلامي يرتكز على الدولة القومية العلمانية و على التقدم الاجتماعي. بدون مثل هذا المشروع ستظل الامبراطورية تجد فى ارضنا مكانا لانتصارات لا تسطيعها في مناطق آخري كثيرة من العالم. أن رفض كل من المشروع الرجعي و الهيمنة الإمبريالية هو أساس نهوض جديد.

No comments:

Post a Comment