ما
بعد المرحلة الأولي من الاستفتاء
علي الدستور الفاشي
أنتهي
تزوير المرحلة الأولي من الاستفتاء علي
الدستور الفاشي بإعلان أن 57% قالوا
نعم و 43% قالوا
لا. و تعتبر
هذه النتيجة -بصرف
النظر عن التزوير- تقدما
ضخما من الاستفتاء علي التعديلات الدستورية
حينما كان أنصار نعم 77% و
أنصار لا لا يتجاوزون 23%. قفز
نفوذ قوي المعارضة بمقدار 20% في
خلال سنة تقريبا و تراجع نفوذ الفاشيين
بنفس النسبة. علي
أن الأهم هو عملية التعبئة الجماهيرية
واسعة النطاق التي صحبت الاستفتاء.
و التي أوضحت لحد
بعيد قدرة المعارضة علي حشد الشارع و
الاستجابة الواسعة لها من قبل القطاعات
النشطة و الثورية من السكان.
و
اتسم الحشد بمواجهات عنيفة مع الأمن و
الميلشيات الفاشية. و
أخذ أشكالا متنوعة أبرزها المظاهرات
الحاشدة و المتعددة و المواجهات العنيفة
و المؤتمرات الشعبية بالإضافة للاعتصامات
في التحرير و حول القصر الرئاسي و عديد
من المواقع الأخري. كما
ظهرت "أشكال
جديدة" خاصة
إعلان مدينة المحلة و المنصورة "الاستقلال"
عن الحكم الإخواني.
لقد شهدنا ملحمة
جماهيرية واسعة النطاق شارك فيها الملايين
ضد حكم الإخوان و لذا فهي بحق المرحلة
الثالثة من الثورة المصرية.
ما
هو موقف الطبقات المختلفة من هذه المرحلة
الثالثة من الثورة؟ و ما هي توجهاتها
السياسية؟ هذه أسئلة نحاول الإجابة عليها
بقدر المعطيات المتاحة و الانطباعات و
لذا فهي إجابات تحتاج للتدقيق و التمحيص.
خاصة و أن هناك
"ظواهر
جديدة" طبقيا
و سياسيا مرتبطة بهذه المرحلة من الثورة
سنعرض لها في السياق.
تصدرت
المرحلة الثالثة من الثورة – أو الثورة
الثالثة سمها كما شئت- نفس
الطبقة المتوسطة و نفس شبابها الذين بدأوا
الثورة المصرية في يناير 2011. فكان
شباب الطبقة الوسطي هم ديناموا المرحلة
الثالثة و قلبها النابض سياسيا و حركيا.
خصوصا و أن قطاعا
منهم كان قد أنحاز للنظام الإخواني قبيل
الانتخابات الرئاسية كراهية في الحكم
العسكري في المحل الأول. لكن
هذا القطاع عاد إلي صفوف الثورة حينما
رأوا الطبيعة الطبقية و الفاشية لهذا
الحكم الجديد. و
هكذا التأمت صفوف هذه الطبقة ثانية في
معسكر الثورة و هذه أحد "الظواهر
الجديدة" المرتبطة
بالمرحلة الثالثة. علي
أنه سياسيا ما زال الانقسام قائما في
صفوفها بين شعارات أسقاط النظام تماما و
شعارات أقل من ذلك – أسقاط الدستور الجمعية
التأسيسية – و علي خلفية هذا الانقسام
أيضا كراهية الحكم العسكري فلا يوجد بديل
عملي -حتي
الآن – لحكم الإخوان.
أما
القوة المحركة للمرحلة الثالثة فهي ما
زالت أيضا مثلما كانت في الثورة الأولي
شباب فقراء المدن و من المهم هنا رصد
تصديهم للإخوان في المحافظات خارج القاهرة
في معارك واسعة امتدت من أسيوط لإسكندرية
و أشهرها و أكثرها عنفا معارك المحلة و
دمنهور .و
هذه أيضا من "الظواهر
الجديدة" في
الحلقة الثالثة. من
المؤكد أن بعض هذه المواجهات كان مفتعلا
من قبل الإخوان أنفسهم خصوصا أقتحام المقر
الرئيسي للإخوان في المقطم ربما تم ذلك
لإجهاض محاولة أقتحام حقيقية.
علي كل حال كالعادة
برهن فقراء المدن علي قوتهم الثورية و
قدرتهم. غير
أنهم ما زالوا القوة الرئيسية التي لا
تجد تعبير سياسيا أو حتي نقابيا عنها.
و هو أمر له تبعاته
علي مسيرة الثورة سنعرض له لاحقا
مشاركة
الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة تعد
أحد "الظواهر
الجديدة" في
هذه الموجة الثورية. هذه
الشرائح التي وقف بعضها معاديا للثورة
في مرحلتها الأولي خوفا علي الامتيازات
و الاستقرار و خوفا من الفوضي.
هذه الشرائح لما
لم تجد مناصا أمام الهيمنة الإخوانية
الشاملة إلا الالتحاق بصفوف الثورة.
و هي الشرائح الممثلة
بوضوح في جناح عريض من جبهة الإنقاذ.
و بالطبع فأن تلك
الشرائح العليا يرتبط استمرارها في المسار
الثوري بمدي تواضع الأهداف الثورية و مدى
عدم خروجها عن أطار مجتمع الأقلية الغنية.
غير أن تلك الشرائح
بقدرتها العالية إعلاميا و نفوذها
الاجتماعي جعل الثورة و مثلها و شعاراتها
هي التيار الغالب في الشارع المصري.
مثل
وصول قطار الثورة لمحطة الفلاحين أحد
"الظواهر
الجديدة" أيضا.
رغم أنه لا يمكن
القول أن الفلاحين أصبحوا منحازين للثورة
أو حتي نصفهم. إلا
أننا نري فارقا هاما عن المرحلة الأولي
للثورة. و
بفضل توزع مراكز الثورة بين العواصم
الحضرية الكبيرة مثل القاهرة و الإسكندرية
و بورسعيد و السويس و بين عواصم المحافظات
رأينا مثلا محافظة الغربية – التي تضم
المحلة و طنطا – في مقدمة من قالوا لا
للاستفتاء . بل
أن قري عديدة شهدت مواجهات شعبية-إخوانية
كما رأينا الدقهلية تتقدم كثيرا و كلتاهما
محافظات فلاحية أو فلاحية عمالية بكل
تأكيد. أن
بناء حلف مديني – فلاحي قوي أمر لا غني
عنه لانتصار الثورة في نهاية المطاف و
سنعرض لهذا فيما بعد.
يثور
السؤال الهام هنا و هو أين الطبقة العاملة؟
و هو سؤال ليس من اليسير الإجابة عنه.
لقد تراجعت الاحتجاجات
العمالية الاقتصادية في سياق المرحلة
الثالثة حتي الآن. و
علي الرغم من أن القوي النقابية المستقلة
المنظمة أعلنت مشاركتها في معارضة الهيمنة
الإخوانية و معارضة دستورهم. و
علي الرغم من تعديلات قانون النقابات
التي تتيح سيطرة الإخوان علي الاتحاد
الرسمي للنقابات و علي الرغم من أن الدستور
يجعل التعددية النقابية في خطر و كل عمل
نقابي في خطر إلا أن المشاركة العمالية
كطبقة -و
ليس كأفراد من الشعب – تظل أضعف حتي من
قبل المرحلة الثالثة. و
يعتقد البعض أن هذا يعني أن الطبقة العاملة
لا تريد أو أنها غير مكترثة بما يجري.
بل و يذهب البعض
إلي أن الطبقة العاملة تري أن الإخوان
مثل غيرهم و لا فارق طالما هم جميعا يمثلون
سلطة الاستغلال الطبقي. لكنني
لا أشارك هؤلاء تحليلهم. أن
الموجة الثالثة من الثورة مثل الموجات
السابقة تميزت بتغليب الطابع الوطني علي
الطبقي. بل
أصبح هناك نوعا من التعارض فيما هو طبقي
و فيما هو وطني. فالثورة
في مرحلتها الثالثة تتم باسم "مصر"
و الوطن و التاريخ
و الحضارة و المدنية و الديمقراطية.
و قليلا ما تدور
حول محور الاستغلال و القهر الاجتماعي.
و الطبقة العاملة
قد تربت عبر سنوات علي أن نضالها الطبقي
مرتبط بالإصلاحات الاقتصادية و تحسين
شروط الاستغلال. و
عبر السنوات نظمت مئات بل ألألاف من
الإضرابات و الاحتجاجات و بنت مئات من
النقابات المستقلة في هذا السياق.
لذا فأن تصاعد
الثورة ذات الطابع "الوطني"
كانت تعني لدي الحس
العمالي الوطني تخفيض مستوي الاحتجاجات
"الطبقية".
بمعني أخر أن الطبقة
العاملة خفضت من احتجاجاتها كشكل من أشكال
المشاركة في هذه الأحداث الوطنية.
أن هذا يكشف مستوي
أدراك الطبقة العاملة لدورها في أطار
الصراع الجاري و مستوي إدراكها لطبيعة
هذا الصراع. و
نوعية الدعاية المقدمة من قبل القوي
الديمقراطية. التي
تقدم هيمنة الإخوان باعتبارها أعتداء
علي الحريات العامة و ليست تكثيفا للاستغلال
الطبقي. علي
أن الطبقة العاملة أسعد حظا من فقراء
المدن فعلي الأقل هناك تنظيمات نقابية
تتحدث باسمها رغم الطبيعة الاقتصادوية
لهذا الحديث. و
رغم ذلك فلا يفوتنا أن مدينة المحلة و هي
مدينة عمالية بامتياز -مدينة
من مليون بها 150 ألف
عامل – تصدرت المشهد علي كافة الأصعدة
من المواجهات للتظاهرات للأبداع الثوري
غير المسبوق مما يدل علي أن الطبقة العاملة
في الطريق لاحتلال مكانها المتميز.
النظام
الإخواني ظهر بوجهين متناقضين أمام
المرحلة الثالثة من الثورة. الوجهة
الأساسي هو وجه التشدد و التشبث و الاندفاع
الأهوج. يعززه
في ذلك أمرين أولهما موافقته علي أتفاقية
هدنة غزة التي فتحت الباب أمام الحل
الصهيوني بتهجير فلسطيني غزة لسيناء و
تركها لإسرائيل كما حملت مزيدا من التواجد
الأمريكي فيها. و
قد أشاد الرئيس الأمريكي بمرسي لإبرامه
هذا الاتفاق و منحه زيارة للولايات المتحدة
-لم تتم-
و هو ما كان يسعى
لها مرسي. و
الأمر الثاني هو توقيع أتفاق الخبراء علي
قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8
مليار دولار.
و هكذا ضمن النظام
الدعم السياسي و المالي الأمريكي لخطتهم
للسيطرة التامة. و
في مواجهة المظاهرات أرسلت عصابات
الميلشيات الإخوانية السلفية و ما زالت
ترسل و لكنها فشلت مرة بعد المرة رغم
الشهداء و المصابين. بل
علي العكس أشعلت الثورة أكثر. أما
الوجه الأخر للنظام فهو وجه التخبط و
النزق فمن إعلان رفع الأسعار – كجزء من
أتفاقية القرض- لتجميد
الرفع بعده بساعات -خوفا
من تصاعد الغضب الشعبي لا شك- و
من السلق السريع المخزي للدستور لانفضاض
مجموعة المستشارين المحيطة بمرسي حتي
ثورة رجال القضاء ضده. و
في النهاية لم يتبقي لمرسي سوي آلة الإخوان
الانتخابية التي طالما أتقنت في عديد من
الانتخابات كي يقوم بها بالتزوير الفاضح
للدستور.أن
الأمر الوحيد الذي يراهن عليه نظام الإخوان
الآن هو أنهاك قوي الثورة العريضة و
تفتيتها و هو ما لم ينجح فيه حتي اليوم
لكن يبقي أن قوي الثورة لو تمسكت بمطلب
أقل من الإطاحة الناجزة بالنظام فسيكون
هذا مصيرها دون جدال. فحتي
أن نجحت في أقتناص أي شيء جدي من مرسي
سيكون مرسي في وضع أفضل لاستكمال الهيمنة
الإخوانية فيما بعد.
و
الجيش هو الأخر يترنح و يتحفظ وراء الحياد
السلبي الحياد الذي يجعله لا يهاجم
المتظاهرين لكنه في نفس الوقت يحمي النظام
الذي يرسل ميلشياته لقتلهم. الجيش
يشعر أن الصراع أخطر من أن يغامر فيه في
هذه اللحظة بإنقلاب عسكري و في نفس الوقت
لا يريد أن يبتعد عن نظام مرسي بعدما نال
منه -في
صورة الدستور الفاشي- من
ضمان لدولته العسكرية و امبراطوريته
الاقتصادية.
علي
المستوي السياسي هناك أيضا "ظواهر
جديدة”. أهمها
تشكل جبهة الإنقاذ من أتلاف عريض من القوي
السياسية خصوصا أحزاب الدستور و التيار
الشعبي و أحزاب اليسار. و
علي عكس المرحلتين السابقتين من الثورة
هناك درجة من القيادة السياسية لهذه
المرحلة و هو ما يعظم الممكنات و المخاطر
في ذات الوقت. ففي
هذه الجبهة تتمثل كل الفئات الاجتماعية
المشاركة في المرحلة الثالثة من الثورة
باستثناء فقراء المدن و الفلاحين و العمال.
أي تحديدا القوي
الأكثر مصلحة في المضي بالعملية الثورية
للنهاية. ليس
هذا فحسب بل أن الطبقة الوسطي التي تتوزع
بين عدد من التيارات السياسية لا يجد
الجناح الثوري فيها إلا تمثيلا هزيلا في
صفوف هذه الجبهة. و
لآن الجبهة تعمل بطريقة الحد المشترك
الأدنى فهي ستميل دائما للقوي المحافظة
في صفوفها خاصة و هي التي لديها المال و
الإعلام بشكل أكبر. أن
الحفاظ علي جبهة الإنقاذ أمرا مهما لكن
بناء جبهة ثورية أمرا لا يقل أهمية و
التمرد علي نموذج "الموقف
الموحد" لجبهة
الإنقاذ أمرا لا يقل أهمية أيضا.
فالجبهة كي تكون
جبهة حقا يجب أن تتسع لكل التباينات في
صفوفها طالما تسير في نفس الاتجاه.
وحدة الاتجاه هي
المطلوبة و ليست وحدة الموقف في الجبهة.
و يقع علي اليسار
عموما و اليسار الراديكالي بشكل خاص مهمة
تعزيز جبهة اليسار كي تكون صوت القوي
الأكثر ثورية في هذه المرحلة.
كانت
قضية التصويت ب "لا"
و مقاطعة الاستفتاء
نموذجا لكيفية عمل الجبهة. و
ظهرت أوهام سريعا في صفوفها عن كيف يمكن
أن نكسب ب "لا"
كما لو أن ما يجري
أمامنا هو فعلا عملية تصويت ديمقراطي.
و رغم عشرات الشواهد
و الأدلة علي تزوير النتائج بكل الطرق و
ليس أقلها رفض أغلبية القضاة المشاركة
في عملية الاستفتاء. و
رغم الشواهد العديدة أيضا علي التفكك في
جبهة الإخوان. و
قد أدي أسلوب وحدة الموقف لدي جبهة الإنقاذ
إلي خضوع البرادعي -أكبر
مناصري المقاطعة- للموقف
العام. و
علي كل حال لم تكن المقاطعة بحد ذاتها
أفضل من التصويت ب "لا"
لكن المقاطعة بما
تعنيه من أستمرار الفاعليات الثورية
الهادفة إلي إسقاط النظام و إسقاط كل ما
يمت أليه. بما
في ذلك منع أجراء الاستفتاء حيثما يمكن.
كان
كاتب هذه السطور قد طرح فكرة تأسيس حكومة
مؤقتة و كان الهدف من هذه الدعوة هو أمرين
أولهما بناء راية مستقلة عن النظام و
مناوراته السياسية و خططه تجتذب الجمهور
الثوري و ثانيهما أن يكون أسقاط النظام
بشكل كامل هو الهدف المعلن للعمل الثوري
و ليس أي شعار أدنى. و
لم تلقي هذه الدعوة الاهتمام. علي
الرغم من إعلانات مدن مهمة مثل المحلة و
المنصورة و السويس في خضم المواجهات
الثورية "أستقلالها"
عن النظام الإخواني
و تأسيسها لمجالس ثورية بديلة.
أن شعار الحكومة
المؤقتة ما زال مطروحا و سيطرح بقوة أكبر
في الأيام القادمة خاصة مع تصاعد العنف
الفاشي و مع أصرار نظام الإخوان علي أحتقار
الموقف الشعبي. لكن
لن يكون هذا دون أدراك القوي الثورية و
خاصة اليسار لدورها في أدارة الصراع.
أن
الثورة تمتد لعمق المجتمع و تمسك بخناق
كل الطبقات و لا تحمل الأيام القادمة إلا
مذيد من أشتعال الثورة و مذيد من تغلغلها
في صفوف الشعب . أن
الخطر الأكبر علي الثورة الآن يكمن في
صفوف القوي الثورية . الخطر
الأكبر يكمن من حرف الثورة لمسارات تبعدها
عن هدفها الرئيسي في الإطاحة بحكم الإخوان
الفاشي. الخطر
الأكبر يكمن في عدم أدراك أنه لا يمكن
تحقيق المطالب الوطنية دون تحقيق المطالب
الطبقية. أي
أن الديمقراطية و المدنية و الحداثة
مرتبطة أشد الارتباط بإعادة توزيع الثروة
القومية و بذيادة نفوذ الطبقات الشعبية
في السلطة. الخطر
الأكبر يكمن في التقاعس عن أقامة الحلف
الثوري القادر علي تحقيق هذه الثورة هو
حلف الطبقة المتوسطة و فقراء المدن و
العمال و الفلاحين. هذه
هي أركان الحلف الممكن و الضروري لإنجاز
مهمات الثورة.
وجود
تيار راديكالي يساري ضمن الثورة قادر علي
أعادة توجيهها وجهة صحيحة استنادا للغليان
الشعبي الثوري.
No comments:
Post a Comment