نيو لوك
يزداد أعتقادي بأن الغالبية من النشطاء الذين يعارضون النظام أنما يسعون إلي مجرد نيو لوك. أي نظام له صوره ألطف. نظام فيه درجة من تقنين الحريات العامة و درجة من أنضباط الشرطة لا أكثر و لا أقل.
بداية لا أتصور – في المرحلة الراهنة – أن يكون الهدف المباشر لآي كان هو تغيير جذري للنظام القائم بحكم طبيعة موازين القوي. لكن في تصوري أن حركة ملتصقة فعلا بالشعب يجب أن تسعي ليس فقط لتغيير "شكل" النظام و أنما أساسا لزيادة نصيب الشعب من الثروة و السلطة. فالنيو لوك ليس قدرا – في تقديري- و أنما هو أختيار – سواء بوعي أو بدون- من قبل أناس لهم انتمائهم الطبقي مهما تخفى خلف أستار الدخان. و زيادة نصيب الشعب ليس أمرا غير محدد كما يبدو للوهلة الأولي. و أنما أمر و اضح تماما فكل توزيع للسلطة و الثروة يجب أن يشارك فيه الشعب بدرجة أكبر مما يحدث الآن. مثلا أن يساهم الشعب في تحديد الحد الأدنى للأجور أو الحد الأقصى لملكية الأرض. أو يشارك في الحكم المحلي و مساءلة الرئيس ناهيك عن الحق في التنظيم.
قبل أن أقدم أدلتي علي سيادة أتجاة النيو لوك أود أن أذكر حقيقتين هامتين. الحقيقة الأولي التي أعتقد أن هناك أتفاق كبير عليها – هي أن مصر تشهد حركتين جماهيريتين منفصلتين لحد بعيد. أحدهما حركة مطالبة بالحريات العامة – إلغاء الطوارئ و أنتخابات نزيهه الخ- و حركة أخري أوسع قاعدة بكثير و أقل تمركزا بكثير تطالب بمطالب أقتصادية أو بالأحرى تدافع عن حقوق أقتصادية يجري الاعتداء عليها. أما الحقيقة الثانية فهي مساءلة نظرية محضة. و هي تقول أن سلوك أي مجموعة سياسية في الواقع هو الذي يحدد برنامجها الحقيقي و ليس ما تعلنه عن نفسها. و هذا ينطبق علي أي قوة سياسية بما فيها النظام طبعا. هذا أذا قسنا تحركات تلك القوي السياسية لفترة زمنية كافية.
فما هي الأدلة التي أستند أليها؟
أستنادا إلي هاتين النقطتين تبدو لي حركة النشطاء المعارضين منذ تحرك كفاية الأول و حتي الآن أنما هي مجرد رغبة في تعديل شكل النظام و لا ترقي حتي لتعديل شكل الحكم.و يمكنني رصد النقاط التالية
فشل حركة الحريات العامة في الارتباط بالحركات الاحتجاجية. و من المنطقي أن تفشل ما دام الذي يتصدرها قضايا بطبيعتها بعيدة عن أوسع قطاعات الشعب. هذا علي الرغم من مرور سنوات علي تلازم الحركتين. و لا أنكر هنا أن النشطاء من كل لون يتضامنون مع الشعب في الاحتجاج. و هذا ربما يقوم به كل سياسي من أي لون حتي لأسباب أنتهازية. لكن لم ينجح النشطاء في الانتقال من التضامن إلى المشاركة – ألا في حدود قليلة. بدلا من هذا يعيد النشطاء أنتاج أنفسهم بنفس الصيغة فمن كفاية ألي 6 أبريل ألي حملة البرادعي. و حتي أي مقارنة عددية بين الوقفات – أو المظاهرات- المخصصة لقضايا شعبية – مثلا رفع الحد الأدنى- و تلك المخصصة لقضايا النيو لوك تكشف أن الأخيرة أوسع بما لا يقاس.
اتباع أساليب لها طابع دعائي تلفزيوني محض بعيدا عن تلك الأساليب التي تركز علي العمل المباشر وسط الناس. فما يسمي بالوقفات الاحتجاجية تولد بعضها البعض دون فاعلية شعبية حقيقية و الأخطر أنه يتم تصويرها باعتبارها أنتصارات مدوية. غير أن النظام يعتبرها دليلا علي الديمقراطية!. بل أن النقاش الذي لا ينتهي حول هذه النقطة يكاد يتمحور حول كيف نجعل الشعب يقف معنا دون أن نبذل جهدا كي نصل لتلك الغاية. و الدروس الإيجابية – مثل نقابة الضرائب العقارية- يجري تجاهلها و نسيانها. و طبعا يرتبط بهذا تمركز الحركة في وسط القاهرة بعيدا حتي عن شبرا و عابدين.
الافتقاد الكامل لشعارات الشعب فشعار جوهري مثل حد أدني للأجور لا تجده إلا علي أستحياء. و شعارات مثل مقاومة الفساد لا تجدها مطلقا. أما شعار ما عن ملكية الأرض فليس موضوع نقاش أصلا.و هذه الشعارات هي التي يتوق أليها الناس و هي التي بسببها يسخط الناس علي النظام كما تجمع التحليلات. لكن النشطاء يتخذون من النظام نفسه مثلهم الأعلى. فإذا تغير الرأس سيتغير كل شيء – كما يتصورون – بشكل أوتوماتيكي. فحتي في قضايا الديمقراطية الليبرالية الصرفة لا تجد أحدا يذكر الجمهورية البرلمانية أو حتي مسائلة الرئيس من قبل ممثلي الشعب.
الاستناد إلي جهاز الدولة القائم. تتجاهل حركة الحريات العامة قضية شديدة الخطورة في البناء السياسي المصري خصوصا و هي قضية جهاز الدولة البيروقراطي الذي يبتلع المجتمع بشكل شامل. فلم تقترب تلك الحركة حتي من نبش هذه القضية. بينما في المقابل لا يري الشعب أمامه ألا هذا الجهاز الأخطبوطي من الصباح للمساء. بل أن حركة الحريات العامة تتعامل مع هذا الجهاز كانه من "طبيعة الأمور" و أحيانا تدعو مباشرة لتعزيزه. فمثلا بدل من طرح أشكال جديدة للملكية العامة تستند ألى سيطرة أكبر للشعب – في قضايا مثل القطاع العام و التأمينات و التأمين الصحي و أدارة الأراضي العامة الخ- يبدو نشطاء الحرية أكثر بيروقراطية من البيروقراطيين. بدلا من أن يقدموا للشعب نماذج تجعل نفوذ الشعب أكبر أمام هذا الجهاز. و حتي قضايا أولية ثمة شبه أجماع عليها مثل أنتخاب المحافظين – بدلا من تعينهم و هو أمر يحدث حتى في اليمن – يجري تجاهلها بينما الشعب فعلا يعاني من المحافظين المعينين و الذين بالتالي لا يدينون بالولاء إلا لمن عينهم.
مركزية قضية التوريث. و تلك القضية أحتلت أكبر مساحة من نشاط النشطاء. و هي بالقطع جديرة بأن تكون قضية هامة لكنها ليست بكل هذه الأهمية. فهل لم يحدث توريث حينما أنتقل الحكم من السادات إلي مبارك؟ ألم يتبني الأخير سياسات الأول كاملة بصرف النظر عن عدم وجود صلة قرابة. بل من يمكنه بصدق أن يقول أنه لم يحدث توريث في أنجلترا حينما أنتقل الحكم من بلير إلي كاميرون – من خلال أنتخابات نزيهه-؟ التوريث ليس هو الكارثة التي لا راد لها كما يصورها الكثير من النشطاء. رحم الله زعيمنا أحمد عرابي فقد كان من ما يقرب من قرن و نصف أكثر فهما لقضية التوريث من كثير ممن يرفعون رايتها الآن فهو لم يكن يعارض أن يتولى أبن الخديوي بل كان يطالب بتفعيل سلطة شعبية – أو تلك الطبقة الصاعدة أيامها. و من الطبيعي ألا يتفاعل أوسع الجمهور مع هذه القضية بالشكل المرجو. فالشعب تجعله المعاناة اليومية أكثر واقعية و أقل عاطفية من نشطائنا. خاصة و هو يري التوريث يكاد يكون القاعدة فيمن حوله القضاء و البوليس و الجيش و الجامعات الخ.أن أهمية قضية التوريث تنبع في تقديري في المحل الأول من ضرورة فرض الإرادة الشعبية -بما يستتبعها من تنامي الأحساس و القدرة الشعبية علي تحقيق أنتصارات تالية- و ليس للاعتبارات الوطنية – العاطفية التي طالما تردد في هذا السياق.
أن الطبقة الوسطي في مصر التي تصدر عنها حركة الحريات العامة و نشطائها في المجمل هي أضعف و أكثر تفككا من أن تفرض تغييرا شكليا علي الطريقة الأوكرانية أو الجورجية. و هي بالإضافة إلي ذلك مقسمة بين طبقة وسطي قديمة و آخري جديدة تنتمي لعصر الاندماج في السوق العالمي. و أفرازها الذي تناولناه يفضح هذه الحقيقة. هذا لا يعني أنها غير قادرة علي تبنى مواقف أكثر راديكالية بل يعنى أنها تحتاج لقطب شعبي أكثر تبلورا و أكثر فاعلية كي تتجذر حركتها أكثر. فالمطلوب الآن أن تنقل الحركة الاحتجاجية و عامة الشعب الوعي إلي المثقفين و ليس العكس. و علي النشطاء الذين يريدون فعلا الارتباط بالشعب أن يتبنوا شعار أن الشعب هو الحل .
No comments:
Post a Comment