لما كان عبد الناصر ديكتاتورا؟
أفكر في هذا الموضوع الماضي من منطلق الحاضر و المستقبل. فإذا فهمنا ديكتاتورية عبد الناصر ربما يساعدنا هذا في فهم الواقع الحالي و كيفية تغييره للأفضل. و مبعث التساؤل أن عبد الناصر كان بدون شك زعيما محبوبا من شعبه رغم كل ما قيل و يقال عنه حتي الآن. و بدون شك لو خاض عبد الناصر أنتخابات رئاسية حرة و نزيهه بكل المعايير كان سيكسبها بسهوله. من المؤكد ليس بنسبة 99 في المائة و لكن بنسبة رائعه بالقياس بالانتخابات في العالم كله مثلا 70 في المائة. و نظرية أن عبد الناصر كان ديكتاتورا بطبيعته أو بحكم كونه عسكري سابق نظرية لا تصمد للنقاش الجاد. فلم تكتشف بعد جينات الديكتاتورية و لم يثبت أن العسكريين ديكتاتوريين بحكم تربيتهم. و حتي أذا أفتراضنا هذا و ذاك فلم لم يستغل شعبيته الواسعة في إضفاء ولو قدرا من الحريات السياسية علي نظامه خاصه و أن هذا كان سيسكت خصومه الكثيرين؟ و لا يجب أن ننسي أن الشعب المصري كان أعتاد حياة حزبية نشطة – أن لم نقل ديمقراطية تماما – لفترة ليست بالقصيرة. و كذلك لم يكن عبد الناصر "معادي" لشعبه ربما كان لا يثق فيه و لكنه كان زعيما شعبيا. و من الطريف أن عبد الناصر في رسالة إلي الرئيس الأمريكي كندي يرد فيها علي أحتجاج أمريكي علي إرسال مصر مئة ألف راديو لليمن قال له أن لديكم – أى الأمريكان - كل أسباب القوة و ليس لدي الأ الشعب العربي فكيف تتصورون أن أتخلي عن أتصالي – عبر الراديو - مع مصدر قوتي الوحيد. أى أنه ليس زعيما شعبيا فحسب و لكنه يدرك تماما دوره و علاقته بهذا الشعب.
و هناك من المؤكد تحليل موضوعي عميق يفسر هذه الظاهرة. و لكني أود أن أتناولها من وجهه نظر عبد الناصر نفسه. أي أن أضع نفسي مكان عبد الناصر و أفكر في قضية الانتخابات و الحريات السياسية الخ.
في تصوري أن الحقيقة الكبري في العصر الناصري التي جبت كل الحقائق الأخري أو بالأحرى التي عملت في سياقها هي حقيقة أنقسام العالم بين القطب الأمريكي و السوفيتي و الصراع المرير بينهما فيما سمي بالحرب الباردة. لذا كان عبد الناصر – و زعماء كثيرون مثله- يخشون أشد ما يخشون تسلل العدو الخارجي الإمبريالي إلي الجبهة الداخلية. و الانتخابات و الحريات السياسية و حق تشكيل الجمعيات الخ هي منافذ طبيعية لمثل هذا التدخل. و له كل العذر فبعد الحرب العالمية الثانية حطم التدخل الأمريكي الجبهات الشعبية اليسارية المناوئة في كل من فرنسا و إيطاليا و اليونان رغم أنها جميعا كانت منتخبه بشكل حر و ديمقراطي. و أستخدمت وسائل متنوعه من المال إلي المافيا للقضاء علي المعارضة اليسارية. أما أيران مصدق – و عبد الناصر من المعجبين به – فقد تمت الإطاحة به جهارا نهارا دون خجل رغم شعبيته و نجاحه في الانتخابات. الصراع الخارجي و التدخل الأجنبي هو الذي أجبر عبد الناصر علي سلوك سياسة الجبهة الداخلية الموحدة الصماء حيث تسيطر الدولة علي كل شيء و تمنع أي مبادرة شعبية. و تأمل مثلا حال كوبا. جزيرة صغيرة يسودها حكم أستبدادي. لو تهاون كاسترو لحظة واحدة لاشترت أمريكا كل الشعب الكوبي في غمضة عين. لذا أعتقد أن الصراع مع الاستعمار من ناحية و أسلوب عبد الناصر في مواجهته هو ما أدي إلي الديكتاتورية في العهد الناصري.
و اليوم نحن لا نواجه حربا باردة مثل تلك الأيام. و لكن الأمور ربما أسواء. فلم تعد أمريكا وحدها تتدخل. بل كل من هب و دب يفعلها. و الانتخابات العراقية نموذجا. فهي أنتخابات "نزيهه" و "شفافة" يتبارى فيها المرشحين الرئيسيين و هم أمريكا و إيران و السعودية بالمال و العملاء و التفجيرات الخ. رغم أن المواطن يذهب إلي الصندوق و يضع صوته "بكل حرية" و هذا المصير أجلا أم عاجلا سنقابله في مصر. بل لقد قابلناه فعلا فما كان يمكن أن تستشري موجه الهوس الديني لولا أموال السعودية. و الانتخابات النزيهة القادمة في مصر سيتنافس فيها شئنا أم أبينا السعودية و إيران و أمريكا و إسرائيل و طبعا قطر. فما هي بضعه مئات الملايين مقابل نفوذ في أكبر و أهم دولة عربية. قضية للتفكير و التخطيط و ليست دعوة لاستبقاء الديكتاتورية.
No comments:
Post a Comment