النساء لهن السماء
منذ أعجب الشيخ رفاعه رافع الطهطاوي بالطريقة التي يعامل بها الرجال النساء في فرنسا و قضية المرأة في قلب المشروع التحديثي لمصر. لكن تلك القضية لم تتحول الي موضوع أجتماعي ألا عندما تولتها النساء رائدات الحركة النسوية في ثورة 19 اللائي أبهرن الجميع ليس فقط بجراءتهن بل أيضا بعمق إدراكهن لقضيتهن حسب معايير وقتها. و أحب أن أسميها قضية النساء و ليس قضية المرأة. فهي قضية هذا النوع من البشر ككل . علي كل حال لست ضليعا في تاريخ الحركة النسائية أو النسوية أو حتي قضية المرأة. ما أريد أن أطرحه هنا هو كيف تفاعلت تلك القضية مع التطور الاجتماعي لتنتج الوضع المعقد القائم ألان .فالرائدات الأول لم يدفعن قضيتهن ألا من وراء قضية الاحتلال و مواجهته. أي أن تحرر النساء كان مطلوبا لانه لازم لتحرر الوطن. و لا غبار علي هذه الحجة من قريب أو بعيد. غير أن تحرر النساء مطلوب لذاته حتي لو كان الوطن في أسعد حال و أتم صحة. و في الأربعينات تلقت شعله قضية النساء المناضلات اليساريات. و يقال أن المظاهرة الكبري التي خرجت من جامعه القاهرة إيذانا ببدء يوم الجلاء في 21 فبراير 1946 كان علي رأسها 3 سيدات – طالبات وقتها – هن من خيرة مناضلي اليسار رجالا و نساءا. اليساريات دفعن قضية النساء للأمام فلم يصبح تحرر النساء ضرورة لتحرر الوطن فحسب بل أصبح أيضا ضرورة لتحرر الطبقات الشعبية بالذات التي يتبنى اليسار قضيتها. و مرة أخري لا غبار علي هذه المقولة مطلقا. غير أن تحرر النساء لازم حتي لو كانت الطبقات الشعبية تسبح في بحر من العسل حقيقة لا يمكن تصور وطنا حرا و لا طبقات شعبية حرة دون نساء أحرار من أضطهاد القرون التي لا تعد. ما أريده هو أن تحرر النساء و أن كان يندمج في صلب قضية الديمقراطية في مصر و في صلب قضية التحول للاشتراكية فهذا ليس صدفه بل لان تلك القضية سابقة علي الوطن و سابقة علي الديمقراطية و علي الاشتراكية. فالنساء يخضعن للاضطهاد الاجتماعي منذ كانت هناك طبقات. فكما أن العمال – بأوسع معاني الكلمة – مستغلون لأنهم صانعي القيمة فالنساء كذلك لان الطبيعة منحتهم ميزة القدرة علي أعادة أنتاج البشر. هذه القضية القديمة قدم الدهر كان يجب أن تدفع من تحت رداء القضايا الأحدث منها لان المجتمع تعارف علي نظام ذكوري منذ الأزل. فمثلا يتساءل الناس هل من مصلحة الأسرة أن تخرج المرأة للعمل؟ و هذا يضع المرأة في وضعها المجتمعي الحقيقي و هو أنها عبدة لتلك الأسرة ترسلها للعمل حينما يكون هذا من مصلحتها و تمنعها حينما تري ذلك. علي كل حال أستطاعت النساء أن يحققن خرقا في المفاهيم الاجتماعية السائدة عن حقوق المرأة مرة بالنضال المباشر من أجل قضيتهن و مرة بالمثل الساطع للنساء اللائي تفوقن في كل مجال و مرة ثالثة من خلال مشاركتهن الاستثنائية في القضايا العامة.
ثم جأت 1952 و تبنت الثورة قضية النساء بمعني ما. فصادرت الحركة النسائية – كما كل حركة آخري – و عوضت النساء عنها بقوانين لصالح النساء. فجاء حق الانتخاب و الترشح ثم حقوق أجازة الوضع و ساعات الرضاعة مدفوعه الأجر و ألزام الشركات ببناء لحضانات في أحوال محددة الخ. و في الستينات كانت النساء في مصر في وضع نادر. فشعبيا – علي الأقل في المراكز الحضرية – أصبحت حرية النساء معترف بها و توسع تعليم البنات حتي الجامعة و تكفلت الدولة بتوظيف الجميع بأجر متساوي ثم هناك تلك القوانين. كانت النساء تنظر للمستقبل بثقة و أعتداد. لكن تحت السطح كانت حقوق النساء قد أهدرت حينما تم مصادرة الحركة النسائية المستقلة. تماما مثل مكتسبات العمال الاشتراكية التي مثلت نعيا للحركة العمالية لانها قامت علي جثة حركتهم المستقلة. و كما مثلت الأرض الموزعة علي الفلاحين بعيدا عن الحركة الفلاحية. و أثبتت السنين بعد ذلك أن ما يأتي دون عناء – القوانين التي صدرت في الستينات – يذهب سريعا – القوانين التي يتوالى صدورها منذ السبعينات و حتي اليوم و التي تنتزع جزء تلو الأخر من قوانين الستينات تلك. رغم ذلك فالعمال و الفلاحين و كذلك النساء دفعوا ابهظ الأثمان في قوانين الستينات تلك ،دفعوا حريتهم. و لكن النساء يختلفن عن العمال و الفلاحين و باقي الفئات التي عانت من تحول النظام للرجعية و من تراجع الدولة عن تعهداتها الموثقة السابقة. لأن اليمين الديني و جد في تلك القضية دالته المنشودة. فشنت حربا شعواء ضد النساء. و تحديدا ضد حق النساء في أن يقررن ما يفعلن بأجسادهن و بالملابس و بكل شيء آخر. و علي أرتفاع 400 كيلو فوق الأرض تلحق المحطة الفضائية الدولية التي تكلفت 120 مليار دولار و في فترة ست أشهر معينة كان رواد الفضاء الستة تقودهم أمرآة لابد أنها كانت ستضحك و تبكي تضحك من سذاجة و بله من يريد أن يضع النساء في قالب مقرر سلفا بمعرفته و تبكي من حال أخواتها في الجنس في مصر. أجتاحت مصر موجة من الأفكار الرجعية التي أعادت المرأة إلي المربع رقم واحد في أنظار المجتمع . فالمرأة هي مرة آخري مفرخة للأطفال و مرضعه و خادمة للأسرة و جهاز للجنس و أي شيء أخر عدا أنها إنسان. مجرد آلة مثل باقي الآلات لها غرض محدد و لا أرادة خاصة بها. و أذا كان مطلوبا من الجميع أن لا يفعلوا شيئا دون أستشارة هذا الشيخ أو ذاك فالنساء مطلوب منهم هذا بشكل أخص. ثم تحولت تلك الرجعية التي أصبحت شعبية ألي العنف. فتصاعدت أشكال الاعتداء علي النساء من التحرش و البيع كأطفال و الاغتصاب الخ. بحيث أصبحت إحصائيات الجرائم ضد النساء تخرج لسانها لمن يقولون أن الحشمة و التحجب طريق الفضيلة فلا الحشمة و لا التحجب منعن الاعتداءات و لا كبتن الغرائز الثائرة. علي عكس من الحركة العمالية و الفلاحية تراجعت قضية النساء تراجعا كبيرا بفضل الهجوم عليها من قبل اليمين الديني. و خلف تيار اليمين الديني و وراء الميكروفونات الزاعقة يكمن أمرا أخر أشد خطورة و هو أن النساء يتعرض للبطالة أربع أضعاف الرجال !! رغم أن القوة العاملة النسائية محسوبة علي أساس ربع تلك للرجال. فقد تم عزل النساء عن أماكن العمل و تم عزل النساء في عربات السيدات و الصفوف الخلفية أو الأمامية حتي لا يتهور الرجال رغم أن معدل التهور تزايد بشكل جنوني. و لم يصبح هناك متاحا للنساء ألا مساحة محدودة جدا من هامش الطريق عليهم أن يسيروا فيها صامتات متشحات بالسواد تماما كما كانت تفعل المجتمعات في القرون الوسطى بمختلفي الديانة. و مع بروز طبقة وسطي جديدة حول الاستثمار و الخدمات التي لا يناسبها واقع القرون الوسطي هذا عادت الدولة علي خجل في أصدار قوانين لصالح النساء بشكل أو بأخر (الجنسية الختان الطفل) وسط معارضة أنصار نظرية المرأة- الآلة (المفرخة المرضعة الشغالة جهاز الجنس الخ) و النخب السياسية انسحبت من قضية المرأة خوفا من بعبع اليمين الديني و تملقا له حتي اليسار أصبح لا يتناول الموضوع إلا علي أستحياء و لكي يقول أن كل شيء سيحل في المستقبل الاشتراكي المزعوم. أن علي النساء أن يتعلمن الدرس الذي بدأ العمال و الفلاحين في تعلمه. ما حك جلدك مثل ظفرك بدون النساء في الشارع يدافعن بالحناجر و الأيادي عن حقهن في الطريق العام و بدون أن النساء يقمن بما قامت به هدى شعراوى من ما يقرب من مئة سنه بخلع الحجاب علنا كتعبير عن الإرادة الحرة. بدون أن تمسك النساء بقضيتهن ثانية و يضحين في سبيلها لن يتقدم أحد لأحياء قضيتهن و لن تجدي أي قوانين.
No comments:
Post a Comment