علي هامش كوبنهاجن
المجتمعات البشرية نشأت و تطورت في ظل شروط بيئية محددة عجلت أو عوقت من تطورها. فمصر القديمة لم تكن لتبني حضارة عظيمة لولا عزلة مصر النسبية من ناحية و نهر النيل من ناحية آخري. و بريطانيا لم تكن لتصبح أكبر أمبراطورية لولا عزلة الجزر الإنجليزية عن أوروبا و حروبها و قربها الشديد في نفس الوقت من التطور الفكري و الصناعي الأوروبي. و سكان أمريكا الأصليين – الهنود الحمر – لم يكونوا علي تلك الحالة من البدائية حينما ذهب المستعمرين لأمريكا لولا أنهم عاشوا في قارة شاسعه شديدة الثراء و التنوع لا تتطلب كثير من التطور الاجتماعي للإبقاء علي حياة السكان. و ثمة دلائل علي أن حضارة الانكا المكسيكية أندثرت بسبب الاستخدام المفرط للغابات الذي أدي بدورة لتهور التربة. أن التناقضات الاجتماعية تنهض علي أكتاف تناقض أعمق بين الإنسان و الطبيعة و تؤثر فيه و تتأثر به. و لكن تدهور المناخ في العالم نتيجة لظاهرة الانحباس الحراري الناجم عن النشاط البشري أدي و سيؤدي ألى تغيرات أجتماعية أوسع مدي من كل ما سبق و مؤثرة علي حياة المليارات من البشر دون أي مبالغه, خذ مثلا صراع دارفور أن جوهر الصراع في دارفور هو تناقص المساحات الخضراء الصالحة للزراعة و الرعي بسبب قلة المطر. و علي هذا الأساس البيئي نشاء الصراع الاجتماعي و تفاعل معه. و في صلب تحلل المجتمع الصومالي الكامل الجفاف المستمر الذي ألم بشرق أفريقيا. فأحد خصائص مناخ الاحتباس الحراري تبدل الدورات المعتادة للأمطار و حدة التغيرات المناخية و سرعتها. و لان المجتمعات الفقيرة لا تمتلك البنية التحتية الضرورية لتطويع الطبيعة تصبح أكثر عرضه للتأثر بالتغيرات المناخية. و نحن في مصر نمتلك بعض من هذه البنية التحتية. فبفضل السد العالي لا نشعر بان هناك سنوات جفاف طوال. لكن لأننا لا نملك بنية تحتية كافية فحصة مصر من الماء لا تكفيها و مصر أكبر مستورد في العالم للغلال. يذكر الدكتور رشدي سعيد أن أنتاج متر المكعب من الماء في إسرائيل 8 أضعاف أنتاجه في مصر. و هذه التغيرات البيئية تؤدي الآن إلي التوتر بين مصر و دول حوض النيل بسبب 55 مليار متر مكعب تحصل مصر عليهم بينما حوض النيل نفسه ينزل علية 1600 مليار متر مكعب أمطار غير مستغلة. و أحد النتائج الأخري للتدهور البيئي هو الهجرات الجماعية الواسعة. فسكان الصومال و أريتريا لا يتركون بلادهم إلا لان العيش أصبح مستحيلا فيها بين التدهور المناخي و عجز البنية التحتية. و بينما الأمطار الحمضية التي كانت تسقط علي أوروبا في السبعينات كان تجعل الحياة مزعجة ففي أفريقيا الحياة مستحيلة. و كي تزداد القضية تعقيدا يظهر ما يمكن تسميته بالإمبريالية البيئية. فالأشجار تقتلع من اندونيسيا و أفريفيا و الأمارون و تشحن إلي أوروبا و أمريكا فتحافظ الدول المهيمنة علي بيئتها و يتدهور الوضع المعيشي لسكان الدول المصدرة و لا يعرف الكثيرين أن الولايات المتحدة تحظر التنقيب عن البترول و الغاز في معظم مياهها الإقليمية لأسباب بيئية بينما دلتا نهر النيجر أصبحت خرابا بسبب استخراج البترول الذي يشحن للولايات المتحدة. و في نفس الوقت تصرخ تلك الدول نفسها التي تجني بضرورة الحفاظ علي البيئة.
هذا كله بينما لم يرتفع متوسط الحرارة في العالم إلا درجة واحدة مئوية في القرن المنصرم. أما القرن الحالي فهناك توقعات بارتفاعها ربما 5 درجات كاملة. أن البشرية بأكملها تمر بمرحلة خطيرة جدا تهدد حياة مليارات البشر في غضون نصف القرن القادم. و هذا ليس خيالا علميا بل حقيقة تجري ألان. فارتفاع منسوب البحر – و هو الذي يجري حاليا – حينما يصل لمتر واحد سيؤدي هذا إلي أغراق مدن بكاملها تضم عشرات الملايين و هو أمر متوقع في خلال نصف قرن. و ذوبان ثلوج القضب الشمالي – المتوقع في غضون 7 سنوات - سيوقف عمل منظومة أساسية لتوازن المناخ في الكرة الأرضية و هي تيارات المحيط الأطلسي البحرية هذا غير أن ربما تزول تماما نصف الكائنات الحية بما له من تأثير لا يمكن أدراك أبعاده. و من المنطقي أن يترتب علي ذلك حراك أجتماعي و صراعات علي مستوي العالم و هجرات بشرية غير مسبوقة. و لأن تلك التغيرات تدمر أسس الحياة المادية بما فيها أدوات الإنتاج فأن التركيب الطبقي لمجتمعات عديدة سينحل كما نري في بقاع كثيرة من أفريقيا و حتي قدرتنا النظرية ستعجز – أن لم نستعد – عن أدراك طبيعة ما يجري أمام أعيننا. أن التدهور البيئي غير المسبوق يمثل التحدي الأكبر للبشرية في هذا القرن.
البيئة و التغيير الاجتماعي
المجتمعات البشرية نشأت و تطورت في ظل شروط بيئية محددة عجلت أو عوقت من تطورها. فمصر القديمة لم تكن لتبني حضارة عظيمة لولا عزلة مصر النسبية من ناحية و نهر النيل من ناحية آخري. و بريطانيا لم تكن لتصبح أكبر أمبراطورية لولا عزلة الجزر الإنجليزية عن أوروبا و حروبها و قربها الشديد في نفس الوقت من التطور الفكري و الصناعي الأوروبي. و سكان أمريكا الأصليين – الهنود الحمر – لم يكونوا علي تلك الحالة من البدائية حينما ذهب المستعمرين لأمريكا لولا أنهم عاشوا في قارة شاسعه شديدة الثراء و التنوع لا تتطلب كثير من التطور الاجتماعي للإبقاء علي حياة السكان. و ثمة دلائل علي أن حضارة الانكا المكسيكية أندثرت بسبب الاستخدام المفرط للغابات الذي أدي بدورة لتهور التربة. أن التناقضات الاجتماعية تنهض علي أكتاف تناقض أعمق بين الإنسان و الطبيعة و تؤثر فيه و تتأثر به. و لكن تدهور المناخ في العالم نتيجة لظاهرة الانحباس الحراري الناجم عن النشاط البشري أدي و سيؤدي ألى تغيرات أجتماعية أوسع مدي من كل ما سبق و مؤثرة علي حياة المليارات من البشر دون أي مبالغه, خذ مثلا صراع دارفور أن جوهر الصراع في دارفور هو تناقص المساحات الخضراء الصالحة للزراعة و الرعي بسبب قلة المطر. و علي هذا الأساس البيئي نشاء الصراع الاجتماعي و تفاعل معه. و في صلب تحلل المجتمع الصومالي الكامل الجفاف المستمر الذي ألم بشرق أفريقيا. فأحد خصائص مناخ الاحتباس الحراري تبدل الدورات المعتادة للأمطار و حدة التغيرات المناخية و سرعتها. و لان المجتمعات الفقيرة لا تمتلك البنية التحتية الضرورية لتطويع الطبيعة تصبح أكثر عرضه للتأثر بالتغيرات المناخية. و نحن في مصر نمتلك بعض من هذه البنية التحتية. فبفضل السد العالي لا نشعر بان هناك سنوات جفاف طوال. لكن لأننا لا نملك بنية تحتية كافية فحصة مصر من الماء لا تكفيها و مصر أكبر مستورد في العالم للغلال. يذكر الدكتور رشدي سعيد أن أنتاج متر المكعب من الماء في إسرائيل 8 أضعاف أنتاجه في مصر. و هذه التغيرات البيئية تؤدي الآن إلي التوتر بين مصر و دول حوض النيل بسبب 55 مليار متر مكعب تحصل مصر عليهم بينما حوض النيل نفسه ينزل علية 1600 مليار متر مكعب أمطار غير مستغلة. و أحد النتائج الأخري للتدهور البيئي هو الهجرات الجماعية الواسعة. فسكان الصومال و أريتريا لا يتركون بلادهم إلا لان العيش أصبح مستحيلا فيها بين التدهور المناخي و عجز البنية التحتية. و بينما الأمطار الحمضية التي كانت تسقط علي أوروبا في السبعينات كان تجعل الحياة مزعجة ففي أفريقيا الحياة مستحيلة. و كي تزداد القضية تعقيدا يظهر ما يمكن تسميته بالإمبريالية البيئية. فالأشجار تقتلع من اندونيسيا و أفريفيا و الأمارون و تشحن إلي أوروبا و أمريكا فتحافظ الدول المهيمنة علي بيئتها و يتدهور الوضع المعيشي لسكان الدول المصدرة و لا يعرف الكثيرين أن الولايات المتحدة تحظر التنقيب عن البترول و الغاز في معظم مياهها الإقليمية لأسباب بيئية بينما دلتا نهر النيجر أصبحت خرابا بسبب استخراج البترول الذي يشحن للولايات المتحدة. و في نفس الوقت تصرخ تلك الدول نفسها التي تجني بضرورة الحفاظ علي البيئة.
هذا كله بينما لم يرتفع متوسط الحرارة في العالم إلا درجة واحدة مئوية في القرن المنصرم. أما القرن الحالي فهناك توقعات بارتفاعها ربما 5 درجات كاملة. أن البشرية بأكملها تمر بمرحلة خطيرة جدا تهدد حياة مليارات البشر في غضون نصف القرن القادم. و هذا ليس خيالا علميا بل حقيقة تجري ألان. فارتفاع منسوب البحر – و هو الذي يجري حاليا – حينما يصل لمتر واحد سيؤدي هذا إلي أغراق مدن بكاملها تضم عشرات الملايين و هو أمر متوقع في خلال نصف قرن. و ذوبان ثلوج القضب الشمالي – المتوقع في غضون 7 سنوات - سيوقف عمل منظومة أساسية لتوازن المناخ في الكرة الأرضية و هي تيارات المحيط الأطلسي البحرية هذا غير أن ربما تزول تماما نصف الكائنات الحية بما له من تأثير لا يمكن أدراك أبعاده. و من المنطقي أن يترتب علي ذلك حراك أجتماعي و صراعات علي مستوي العالم و هجرات بشرية غير مسبوقة. و لأن تلك التغيرات تدمر أسس الحياة المادية بما فيها أدوات الإنتاج فأن التركيب الطبقي لمجتمعات عديدة سينحل كما نري في بقاع كثيرة من أفريقيا و حتي قدرتنا النظرية ستعجز – أن لم نستعد – عن أدراك طبيعة ما يجري أمام أعيننا. أن التدهور البيئي غير المسبوق يمثل التحدي الأكبر للبشرية في هذا القرن.
No comments:
Post a Comment