Friday, September 21, 2012

لمحة عن الاقتصاد السياسي في مصر

لمحة عن الاقتصاد السياسي في مصر

ينبني الاقتصاد السياسي علي أن الرأسمالي يشتري المواد الخام و أدوات الإنتاج و قوة عمل العامل. عمل العامل يحول المواد الخام باستخدام الآلات إلي منتج. و عمل العامل هو المصدر الوحيد للقيمة التي يحملها المنتج. يبيع الرأسمالي هذا المنتج في السوق كسلعة قيمة هذه السلعة تساوي قيمة المواد الخام و أهلاك الآلات و أجر العامل بالإضافة إلي فائض يحصل عليه الرأسمالي. هذا الفائض يسمي القيمة الذائدة. أي القيمة التي ينتزعها الرأسمالي من العامل. كلما قل أجر العامل كلما ذاد ما يحصل عليه الرأسمالي كقيمة ذائدة. فما هو الحد الأدنى لأجر العامل؟ هو الحد الذي يكفي بالكاد للعامل كي يعيد تجديد نفسه جسمانيا و عقليا و عدديا. هو الحد الذي يكفي بالكاد العامل كي يعيش و ينجب و يعلم أبناؤه ليكونوا عمالا في المستقبل. ماذا يحدث إذا قل أجر العامل عن هذا الحد الأدنى؟
لن يتمكن العامل من تجديد نفسه و من تعليم أبناؤه و بالتالي سيصبح هناك عجزا في العمال المؤهلين. و يحدث تنافس بين الرأسماليين علي قوة العمل فيرتفع أجرهم.

في مصر ليس هذا هو الوضع. فمنذ عشرات السنوات و أجر العامل أقل من ما يمكن أن يحفظ حياته و حياة أسرته. أجر العامل أقل من أن يحصل علي سكن و طعام و شراب و تعليم كافيين. فكيف أستمر الوضع كذلك و لم يحدث أن ارتفعت أجور العمال كما تقرر نظريات الاقتصاد السياسي؟

لأن التطور الرأسمالي في مصر محتجز لا يتطور بشكل طبيعي يتم تدمير القوي البشرية و أستبدالها بقوي بشرية أخرى. بمعني أن حجم الطبقة العاملة لا يتذايد و الاستثمار الرأسمالي لا يتذايد بينما عدد السكان يتذايد فيتم التخلص من قسم من السكان و تحويلهم إلي طاقة بشرية مهدرة "مهمشة". و يتم نزح فائض سكاني ضخم من القرية للمدينة و قسم صغير منهم فقط يتحول إلي عمال بينما القسم الأكبر يصبح مهمش لأن أجر العامل لا يكفى لإعادة تجديد حياته. لذا نشاهد في مصر ظاهرة وجود أعداد كبيرة جدا من القوي العاملة أكبر كثيرا من حاجة السوق و أعداد قليلة جدا من القوي العاملة المدربة أقل من حاجة السوق خاصة في الصناعات المتقدمة. عملية تدمير قوي الإنتاج هذه نراها أوضح ما يكون وسط النساء. فمعدل مشاركة النساء في عملية الإنتاج لا تتذايد بينما في المجتمعات الرأسمالية يجب أن تتذايد مشاركة النساء حتي تصل لنفس نسبة وجودهم في المجتمع.ومن هنا دعاوي التحجب و دور المرأة هو البيت الخ.و نري أيضا عملية تدمير قوي الإنتاج في عماله الأطفال. فعمالة الأطفال تتذايد لأن الأجور منخفضة جدا لا تناسب الحفاظ علي حياة العامل البالغ.

فلماذا لا يتوسع الرأسماليين و يبنون مصانع أكثر و يستخدمون عمالا أكثر خاصة و أن الأجور رخيصة و بالتالي التراكم الرأسمالي عالي؟

عدة أسباب

أولا الدورة الشريرة لأن الرأسمالي يدفع أجرا قليلا جدا للعامل فلا يمكن للعامل أن يشتري بضاعة الرأسمالي لذا فالسوق المحلي ضيق جدا لا يسمح بالتوسع الكبير. و الحل مذيد من تخفيض أجر العامل و مذيد من ضيق السوق. و قد قال هنري فورد مخترع نظام الإنتاج المتسلسل لصناعة السيارات أن العامل علي خط الإنتاج يجب أن يكون قادرا علي شراء السيارة التي ينتجها.

ثانيا نتيجة لضيق السوق يتجه الرأسمالي لإنتاج منتجات للشريحه العليا من الدخول في المجتمع مثلا في العقارات. أو يتجه لإنتاج منتجات للتصدير و ليست للسوق المحلي فيؤدي ذلك لمذيد من أنكماش السوق المحلي

ثالثا الأعباء الإضافية التي تقع علي كاهل الرأسمالي بسبب أحتكار الدولة -الرشي الأرض الفوائد- و هذه الأعباء تجعل من الصعب التوسع الرأسمالي. فما يجنيه الرأسمالي من قوة عمل غير مدفوعة الأجر يعيد توزيعها علي البنوك و الدولة و الفاسدين

رابعا يشارك الرأسمالي في أرباحه رأسماليي الدول المتقدمة التي تنتج الآلات و المعرفة التكنولوجية و يتقاضون أثمانا باهظة لها مما يضيق من هامش المناورة لدي الرأسمالي المحلي

خامسا يخوض الرأسمالي المحلي حربا ضروس ضد المنتجات الأجنبية -مثلا صناعة الملابس – و بينما تستفيد المنتجات الأجنبية من وفورات الأحجام الكبيرة لا يتمتع الرأسمالي المحلي بهذه المزايا

سادسا أعتمد الرأسمالي في مصر علي دعم الدولة للأجر الذي يدفعه للعامل. فالتعليم المجاني و الدعم الغذائي و الصحة رخيصة الثمن و المساكن الشعبية الخ الخ كلها أشكال من دعم الدولة للرأسمالية المصرية في صورة دعم للأجر الذي يتلقاه العامل. و حينما تراجع دور الدولة بشكل كبير أصبح علي الرأسمالي أن يدفع ما كانت تدفعه الدولة من أشكال الدعم. و بدأت الدورة الشريرة. عامل لا يتقاضى أجرا يكفي للمعيشة تحت الحد الأدنى المفترض. و هو نفسه المستهلك الذي لا يمكنه شراء السلع المطروحة في الأسواق. و بالتالي فالحاجة للعمال تقل بدلا من أن تذيد و الضغط علي الأجر يذداد بدلا من أن يقل.

سابعا وجود قطاع كبير نسبيا من السكان يعمل في أقتصاديات خارجية -الهجرة المؤقتة و الدائمة- و هؤلاء يمكنهم استهلاك المنتجات بينما لا يعملون كعمال في الاقتصاد المحلي و بالتالي فأنهم لا يكملون الدورة الاقتصادية المصرية المحلية. و الرأسمالي يعلم أنهم قادرين علي دفع الأثمان الباهظة أيا كانت مستويات الأجور و لذا فأنه يخفض الأجور كي يحصل علي أعلي فائض ممكن.

من كل هذه العوامل نستنتج أستنتاج رئيسي و هو أن المستوي العميق الحالي من أندماج السوق المصري في السوق العالمي هو السبب وراء هذه الدورة الشريرة من أجور تحت الحد الأدنى و بالتالي سوق غير قادر علي استيعاب المنتجات و بالتالي ضغط علي الأجور من أجل الانخفاض أكثر. و هذا الاندماج في السوق العالمي يأخذ طابعا سياسيا – اتفاقية كامب ديفيد – و طابعا اقتصاديا كليا -رفع الدعم و تقلص خدمات الدولة و الخصخصة.

بدون فصم عري الاندماج الواسع مع السوق الرأسمالي العالمي – لأنه لا يمكن القطع الكامل مع السوق الرأسمالي في ظل رأسمالية محلية – لا يمكن أن يعود الاقتصاد للعمل في اتجاه تصاعدي من جديد.



No comments:

Post a Comment