Sunday, May 15, 2011

اليسار ذو البعد الواحد

اليسار ذو البعد الواحد
عن الإمبريالية و ليبيا و بن لأدن
هناك يساريين في عالمنا ينظرون للعالم من منظور واحد وحيد و هو منظور العداء للإمبريالية. و مثل هذا اليسار شائع في أوروبا و أمريكا بسبب تعقد ظروف الصراع الطبقي هناك و بسبب الجهل بوقائع الصراع الطبقي في بلادنا محل العدوان الإمبريالي.و في هذا العالم المسطح يبدو كل شيء بسيطا و سهلا هناك من ناحية الإمبريالية و من ناحية أعدائها أي حسب الأفلام الأمريكية الخير و الشر و بين هذا الطرف و ذاك يتم تحويل الصراع المحتدم بين البشر إلي قصة سخيفة سخافة تلك الأفلام.و حتي التيار القومي العربي الذي طالما تبني هذا المنظور المسطح أبتعد لحد ما عنه الآن باعترافه بالأقليات و بالحريات العامة كمكون ضروري لكل نهضة قومية. لكن اليسار الذي نتحدث عنه ما زال سابحا في منظور خيالي مبسط عن الواقع و ما زال لا يعنيه تقديم أجوبة عما يجري تلهم الشعوب و تدفع حركتها للأمام بقدر ما يعنيه ترديد التراتيل المألوفة
الثورة الليبية و الإمبريالية
فاجأت الثورات العربية النظم الرأسمالية المحلية التابعة كما فاجأت المراكز الإمبريالية بل و حتي تلك الشعوب الهادرة التي نهضت بها. و الثورة الليبية لم تكن أستثناء. فهي ثورة محركها الأساسي كان الطبقة الوسطي – المحامين – و أستجابت لها أوسع قطاعات الشعب الليبي. و أنطلقت ثورة سلمية مستعيرة شعارات الثورة المصرية مثل سلمية سلمية و الشعب يريد أسقاط النظام. لكن الشعب الليبي محدود العدد ذو التركيبة القبلية القوية غير الشعب المصري. و ليبيا ذات المساحات الصحراوية الشاسعة غير مصر القابعة لصق الوادي. و النظام الليبي يتميز بالقمع الاستثنائي – مثلا شنق الطلاب المعارضين في الجامعة نفسها – كما يعتمد هذا النظام ليس علي المؤسسات الرسمية فحسب بل أيضا علي مليشيات خاصة أفضل تسليحا من الجيش نفسه. نظام أقرب لنظام المماليك منه للدولة الحديثة.
و سرعان ما بدأ النظام الليبي في حملة عسكرية عنيفة ضد الثورة حملة أستخدمت فيها الدبابات و طائرات الهليكوبتر المسلحة و قاذفات القنابل. و إزاء العنف الوحشي كان من المحتم أن تنتقل الثورة الليبية إلي ثورة مسلحة خاصة بعد أنضمام قطاعات من الجيش للثورة. و أصبحت في ليبيا حربا أهلية مسلحة لا مجال فيها للحلول الوسط. و هذا أجبر كل الأطراف علي الانحياز لهذا الطرف أو ذاك. و من الطبيعي أن الشعوب العربية من المحيط للخليج وقفت إلي جانب الثورة الليبية.أما الأنظمة العربية فقد وقفت أما علي الحياد مثل مجلس مصر العسكري – و ربما له عذر في وجود مليون مصري في ليبيا ربما يتعرضون للذبح لو وقفت مصر الرسمية بصراحة مع الثورة -أو وقفت إلي جانب النظام الليبي مثل نظام بشار الأسد الذي أرسل طيارين سوريين كي يساهموا في قصف المدنيين الليبيين. و هناك أنظمة وقفت ضد النظام الليبي مثل قطر – و هذا النظام يستحق نقاش مستقل -
أما الإمبريالية الفرنسية و الأمريكية التي بادرت بدعم بن علي في مواجهة الثورة التونسية ثم أستدارت حينما أتضح أن الثورات العربية ليست حدثا عابرا بل حقيقة راسخة حينما أمتدت الثورة إلي مصر نفسها فأيدت الثورة. و قد وقفت الإدارة الأمريكية إلي جانب الثورة المصرية لمستوي الإطاحة بمبارك. و أحيانا يقال أن الإدارة الأمريكية فعلت ذلك "حفاظا علي مصالحها" و لا أجد أسخف من هذا التأكيد فكل نظام يسعى "للحفاظ علي مصالحه" و هذا هو المنتظر منه و هذا هو ما يفعله. و بخصوص الثورة المصرية هناك عاملا أضافيا و هو الشعبية الجارفة التي أكتسبتها الثورة المصرية وسط الشعب الأمريكي كما عبرت عن ذلك مظاهرات التأييد المتكررة.و هذا رغما عن اللوبي الصهيوني الذي أعتبر خسارة مبارك كارثة.
و المصالح الإمبريالية في ليبيا كثيرة منها الموقع و البترول – بدون مبالغة في قيمة البترول فليبيا ليست منتجا أساسيا له. و حتي وقت قريب كان هناك حظر أمريكي علي التعامل مع ليبيا في مجال البترول- لكن الأهم هو صورة الإمبريالية أمام الشعوب العربية التي أصبحت طرفا في كل صراع.فلم تعد خريطة الصراع تشمل الإمبريالية و الأنظمة و أنما أنضمت الشعوب العربية بعد الثورة كطرف أصيل و قادر.أي أن الثورة الليبية – و العربية عموما- كسرت هذا البناء المسطح الذي يتبناه اليسار ذو البعد الواحد فأصبحنا إزاء 3 أطراف – الإمبريالية و النظام الليبي و الشعب الليبي كقوة مستقلة - فأيدت فرنسا و أمريكا الشعب الليبي في مواجهة نظام القذافي الدموي. و مع تصاعد مطالب الثوار بتدخل عسكري غربي حتي أن الجامعة العربية أصدرت بيانا يطالب بفرض حظر جوي علي النظام الليبي- عضو الجامعة-و بعد تلكؤ بدأ التدخل العسكري الغربي في ليبيا. مدعوما بقرار من مجلس الأمن و قطر و الأمارات و ربما مصر أيضا لكن بشكل سري. الموقف الإمبريالي من الثورات العربية نابع من حقيقة أن تلك الثورات فرضت قطيعة مع الزمن الماضي الذي كانت الشعوب العربية فيه كم مهمل لا يحسب لها حساب. فأمام العالم الآن أن يختار و بوضوح بين الشعوب الثائرة و أنظمتها خيارا حادا قاطعا. و الأنظمة الشائخة المهترئة لا تغري أحدا بالوقوف معها بينما الوقوف مع الثورة يمهد الطريق لإعادة أنتاج مثل تلك الأنظمة في ثوب جديد. هذا هو جوهر الموقف الأمريكي و الفرنسي. و الاختيار في ليبيا كان – بحكم الصراع المسلح – هو الأشد حدة و إلحاح.بمعني أخر أن الموقف الغربي من الثورة هو أحد منتجات هذه الثورة نفسها. تماما مثل إلغاء الأسد لقانون الطوارئ هو أحد منتجات الثورة في سوريا و ليس أريحية خاصة لديه.
و لكن يسارنا ذو البعد الواحد ما زال لا يري إلا طرفين – كالعادة - لذا أدان الثورة الليبية باعتبارها لجأت للسلاح – و ليس فرض عليها - و إلي أعتبار التدخل الإمبريالي تمهيدا للاحتلال العسكري و أن التدخل في ليبيا هو أمتداد لغزو العراق الخ كل هذه المقولات التي لا تقف كي تحاول تفسير الواقع بل هي جاهزة يمكن سحبها من الدرج وقتما يشاء أصحابها. خاصة و هي تظهرهم بمظهر الراديكالي بينما هم حقيقة يقفون مع أشد قوي التخلف و القمع
الالتقاء العرضي بين الثورة و الإمبريالية
الصراع الدائر منذ قرنين بين الشعوب العربية و الإمبريالية و الاستعمار هو صراع معقد و مركب. معقد بسبب تعقد الطرف الإمبريالي و الطرف العربي و بسبب أحداث الصراع ذاتها. و ضمن هذا المجري العام للصراع قد يحدث التقاء بين أطرافا إمبريالية و بين الشعوب أو أنظمتها. و هذه الحقيقة أوردها دكتور جمال حمدان في كتابه الضخم "شخصية مصر" حيث أستنتج من دراسته لمصر القرن التاسع عشر أن قدر مصر أن تكون علي جانب القوة الاستعمارية الأصغر – أو الثانية – في مقابل القوة الاستعمارية الأكبر أو الأولي. فما دام الصراع يدور بين القوي الاستعمارية و ما دامت مصر بموقعها و وزنها محطا للأطماع فلا مندوحة عن أن تستعين بذلك الطرف الأضعف في مواجهة الأقوى طالما هي لا تستطيع بمفردها الوقوف أما الطرفين كما أوضحت تجربة محمد علي. و تجربة عبد الناصر كانت بمعني ما أمتدادا لمحمد علي فالاتحاد السوفيتي – الذي يعتبره البعض إمبريالية أيضا – وقف إلي جانب مصر و غيرها في مواجهة الإمبريالية الأكبر – الولايات المتحدة-.
و ثمة وقائع حتي أشد تعقيدا من هذا التناقض الإمبريالي. فمثلا وقفت الولايات المتحدة إلي جانب مصر في حرب 56 و طالبت أنجلترا و فرنسا و إسرائيل بالانسحاب. و لا شك أنها فعلت هذا حرصا علي "مصالحها" سواء لرغبتها في الإرث الإمبريالي الإنجليزي الفرنسي أو لخوفها من تطور الأمور بسبب الإنذار السوفيتي. في كل الحالات كانت لحظة 56 لحظة توافقت فيها مصالح الإمبريالية الأمريكية مؤقتا مع مصالح الشعب. نفس الأمر تكرر في حروب تفكك يوعسلافيا. فالعنصريين الصرب شنوا حرب إبادة ضد المسلمين. و كانت مصالح الإمبريالية ألا تنشأ دولة صربية عنصرية قوية في أوروبا متوافقة مع مصالح المسلمين الذين يبادون بالجملة. و كانت الحملة العسكرية الأمريكية هي ما أوقف الهجوم العنصري.
مثل هذا ألقاء المؤقت العرضي هو ما نشاهده في ليبيا. فالولايات المتحدة تريد أن يكون لها قدم في النظام العربي الجديد الذي تنشئة الثورات العربية. و الثورة الليبية في خطر السحق من قاذفات القذافي و الثوار يصرخون مطالبون بالدعم العسكري الغربي. و هذه اللحظة لن تدوم كما لم تدم لحظة 56 و غيرها. الخلل في تحليل اليسار ذو البعد الواحد أنه ينطلق من مسلمات محفوظة و ليس من الواقع المشخص. لا يتعب هذا اليسار ذهنه بالبحث عما يجري في الواقع و لا يشغل باله بما هي مصالح الشعوب أو الطبقات الكادحة
من قتل بن لأدن؟
و يمثل قتل بن لأدن نموذجا أخر للسلوك الفكري لهذا اليسار البدائي. فالنسبة له بن لأدن "مقاوم" للإمبريالية.و علي هذا المثال تصبح النازية هي أكبر مقاوم عرفته الإمبريالية في تاريخها فلم يقتل أحد من الجنود الإمبرياليين مثلما قتل النازيون. و ذلك لأننا أمام عالم مسطح في الذهن اليساري ذو البعد الواحد لا يتسع إلا لطرفين أحدهما الإمبريالية. بينما الواقع الحي مليء بالاتجاهات المتناقضة و كذلك المتنافسة
لم ينشا تنظيم القاعدة و زعيمه بن لأدن إلا بدعم ثلاثة من أشد الأنظمة رجعية الباكستاني و السعودي و المصري بإدارة مباشرة من المخابرات الأمريكية. و هذا الحلف قام في مواجهه الاحتلال السوفيتي لأفغانستان و قام وسط موجه أستخدام التنظيمات الدينية الإسلامية كأداة لضرب حركات التحرر في العالم العربي و الإسلامي. بما فيها أحياء الأخوان في مصر و الجمعية الشرعية – سلف حماس – في غزة و الخ. و الرئيس الأمريكي اليميني المحافظ ريجان كان يقول عن "المجاهدين" أنهم مقاتلون من أجل الحرية و يذكروه بالآباء المؤسسين لأمريكا!! و ما أن أنتصر "المجاهدين" و خرج الاتحاد السوفييتي حتي تعامل هؤلاء من العاصمة كابول مثل تعامل المغول مع العاصمة العباسية بغداد. ثم حسم العسكر الباكستانيين الصراع بين المجاهدين بتتويج طالبان – الأفغان الذين تمت تربيتهم في باكستان- كقوة عليا. و بن لأدن نفسه أنتقل من حضن النظام الرجعي الغاشم في السودان إلي حضن طالبان و أصبح حليفا لهم و ممولا. و أفغانستان لم تكن ذلك المجتمع الهمجي -قبل طالبان- كما يحاول البعض تصويرها بل كانت مجتمعا متفتحا قبل الإطاحة بظاهر شاة عام 73 في ثورة شعبية تمثل النساء فيه 70% من الطبيبات و به حركة يسارية نشيطة – أيا كان تقديرك لها – بل أن زعيم قبائل الباشتون في صراعها لحقوق قومية كان ماركسيا!. لكن علي يد طالبان و حلفائهم من القاعدة تم ذبح طبقة كاملة من البشر في أفغانستان. و تحول البلد إلى جحيم محظور فيه تعليم البنات و التلفزيون و حتي الآثار تم تفجيرها. ذلك النظام البشع لا يذكرنا إلا بأنظمة مثل الخمير الحمر في كمبوديا و ما أشبه. و رغم بشاعة النظام و معاداته للبشر كان علي علاقة طيبة بالولايات المتحدة حتي أن وفدا منه زار جورج بوش الابن حينما كان حاكما لولاية تكساس بواسطة بن لأدن الذي تربط أسرته علاقات عمل وثيقة مع أسرة بوش لمناقشه أنشاء خط غاز طبيعي يمر عبر أفغانستان.
و أنطلاقا من أفغانستان أرتكب تنظيم القاعدة و زعيمه جرائم بشعه منها تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا التي راح ضحيتها مئات الأفارقة و منها بالطبع تدمير برجي التجارة في نيويورك الذي راح ضحيتها 3000 شخص. لكن هذا الجرائم تتضاءل مع ما أرتكبه – وما زال- في كل من باكستان و أفغانستان. و كما هو معروف فأن الهجوم علي نيويورك هو الذين قدم المبرر لأقصي اليمين الأمريكي لغزو أفغانستان و العراق. حتي أن هناك من يظن أن هذا الهجوم تم بإيعاز من الولايات المتحدة. ثم كانت جريمة تنظيم القاعدة الرهيبة في العراق. أذ حول المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي إلي حرب طائفية قتل فيها عشرات الألف علي يد التنظيم و زعيمه في العراق المجرم المصاب بجنون العظمة المسمي الزرقاوي. حتي أن الرجال كانوا يقتلون لمجرد أنهم حليقي اللحية. و هذا الصراع الطائفي هو ما أحبط المقاومة العراقية العراقية و قدمها علي قدم من فضة لقوات الاحتلال الأمريكي.
نحن أمام تنظيم ليس معادي للشعب فحسب بل معادي للبشرية نفسها علي غرار النازية بدون تفوقها العلمي.لكن هذه الحقائق عن هذا التنظيم و قائده – التي لا شك يعرفها اليسار إياه – لا تتوافق مع المفهوم المسطح عن العالم الذي فيه الإمبريالية طرفا و الطرف الأخر يجب أن يكون مقاومة من نوع ما. فيفضل هذا اليسار أن يضع رأسه في الرمال و يتغاضى عن طبيعة تنظيم القاعدة و يعتبره "مقاوما" للإمبريالية.و أحيانا ما يزيل هذا اليسار تعليقه علي تنظيم القاعدة بأشياء من نوع "أفتقاد الطابع الاجتماعي" أو "اتباعه لأساليب غير جماهيرية" الخ. و هذا النقد من جانب اليسار لتنظيم القاعدة يعكس أنعدام فهم تام للطبيعة الطبقية لهذا التنظيم و للتحولات الاجتماعية التي تجري في العالم. فالتنظيم يتبع تماما الأساليب التي تتناسب مع ما يطمح أليه و يعبر بصدق عن الطبقات التي التي يمثلها لكن المشكلة أن لا هذه و لا تلك تتوافق مع ما هو في ذهن يسارنا.
اليمين الديني هو منافس للإمبريالية في السعي للهيمنة علي المنطقة. اليمين الديني بما فيه القاعدة هو قوة رجعية تماما مثل الإمبريالية قوة رجعية و كل منهما يسعى للسيطرة لصالح طبقات غير الشعوب.
اليمين الديني كنتاج للانحطاط الاجتماعي
شهدت السبعينات تحولات كبري في كل من الدول الرأسمالية الكبرى و دول التحرر الوطني. و أدت هذه التحولات إلي جعل النظام الإمبريالي أكثر عنفا و وحشية تجاه دول العالم. و توسع التدخل العسكري و الانقلابات في دول العالم. و توج هذا بالحصار الإجرامي علي العراق الذي راح ضحيته نصف مليون طفل عراقي حسب تقديرات الأمم المتحدة ثم غزو و أحتلال العراق و أفغانستان. و من ناحية آخري توسع أستغلال السوق في الدول النامية و أجبرت علي فتح أسواقها أمام الاحتكارات العالمية مما أدي إلي أنهيارات أقتصادية متتالية. و أفرز تحطيم الاقتصاديات النامية إلي خروج مئات الملايين من البشر خارج عملية الإنتاج سواء التقليدي أو الحديث و ظهرت أشكال الهجرات الجماعية بالملايين سنويا بحثا عن عمل ورزق. و من ناحية دول العالم الثالث أدي غياب الديمقراطية و تنظيم الشعوب إلي ضعف مقاومة التحولات واسعة المدي التي عرفت باسم النيو ليبرالية. و أدي هذا إلي تحولات أجتماعية عميقة في دول العالم الثالث و في دول المركز أيضا مثل الجريمة المنظمة الدولية واسعه النطاق و صور أخري. أهم هذه الصور هو تصاعد دور اليمين الديني المتطرف. و في المنطقة العربية لعب هذا اليمين دور المساعد لهذه التحولات و المستفيد منها بتخطيط منظم من المراكز الإمبريالية. و لعب النظام السعودي الرجعي خصوصا دورا بارزا في هذا المجال تمويلا و تشجيعا.و هذا ما أدي إلي الشعبية الواسعة لليمين الديني. هذه الشعبية التي عكست أحيانا عداء للاستعمار و لكنها صبته في أتجاه مشروعها الرجعي المتخلف. هذا هو المناخ و الحاضنة لتنظيم القاعدة و التنظيمات المشابه التي لم تفعل إلا أنها أطرت طاقات الشعب و سخرتها لخدمة مشروع معادي له. و هذا مثلا ما حدث في مصر في الثمانينات و التسعينات من خلال التنظيمات الإسلامية الإرهابية. الإمبريالية لم تساعد علي خلق تنظيم القاعدة عمليا فحسب بل أنها خلقت الشروط الموضوعية لظهور هذا التنظيم و أمثاله.
و لم تشكل مثل هذه التنظيمات و منها القاعدة حتي في أكثر لحظاتها تألقا أي خطر جدي علي الإمبريالية. فالقوة العسكرية الأمريكية المعدة للحرب النووية لا يمكن مقارنتها بمثل تنظيم القاعدة. و حتي حينما أتيحت الفرصة لهذا التنظيم في العراق أن يواجه الاحتلال فشل فشلا زريعا بسبب طبيعته الرجعية.ناهيك عن فشله المتكرر من المغرب حتي الباكستان. فلا يمكن لمثل هذه المجموعة من الأفكار الرجعية أن تنتج أي نجاح. بل علي العكس نلاحظ تصاعد الوجود العسكري الغربي في المنطقة منذ التسعينات مع تصاعد حجم و نفوذ تنظيم القاعدة. و لا شك أن التنظيم يسبب أحراجا بالغا للسياسيين الغربيين حينما يفجر قطارا أو باص هنا أو هناك و يقتل الإبرياء و لكنه من ناحية آخري يقدم الأرضية المناسبة – بمثل هذه الأفعال -لأشد الدوائر عنصرية و يدفع العداء للإسلام و للعرب. أن اليمين الديني الرجعي يتغذى علي تنظيم القاعدة و أفعاله تماما كما يتغذى هذا التنظيم علي منتجات هذا اليمين. فالإمبريالية تبحث عن زريعة مثل القاعدة كي تزيد الأنفاق العسكري و تقمع الحريات في الغرب نفسه و تسهل تمرير أجراءات أقتصادية معادية للشعوب. و من مصلحة هذه الدوائر أن تضخم من حجم و نفوذ مثل هذا التنظيم الذي لم يستطع الاستيلاء بالكامل علي الصومال البلد الفقير الذي بلا حكومة فعلية. وفوق هذا فأن هذا التنظيم و أمثاله بل و كل الإسلام السياسي - السني- لم ينجح بأي درجة في أنتاج نظرية سياسية يمكن أن تشكل البوصلة لأي نجاح.
و حينما أنطلقت الثورات العربية أنطلقت بالعداء لكل مفاهيم تنظيم القاعدة. أنطلقت بالدعوة للحرية و التخلص من الاستبداد. و بالدعوة لمشاركة شعبية و ليس لإطاعة الملالي و المشايخ. الثورات العربية جاءت علي النقيض مما يمثله تنظيم القاعدة فكريا و تنظيميا و حركيا. و أذا قدر لهذه الثورات أن تنجح فأنها ستضع الشروط الموضوعية للقضاء علي هذا التنظيم و علي فكره الرجعي المتخلف.


1 comment: