أوهام ثورية
منذ بعض الوقت و هناك ترويج واسع لأوهام ثورية أو أوهام الثوار. و أهم هذه الأوهام هو محاولة أستعادة لحظة 25 يناير و أستعادة مستوي الترابط و التضامن الذي كان قائما وقتها.و هذا لأن كل محاولة لاستعادة الماضي هي وهم سواء كان ماضي منذ بضعة شهور أو بضعة قرون.
التوحد الذي كان قائما في 25 يناير بين كل الأطراف يرجع إلي شخص واحد أسمه حسني مبارك. الأجماع بني علي مواجه الديكتاتور المتسلط علي رقاب الشعب و كل قواه السياسية و ليس أمرا نابعا من طيبة قلب أو خصائص للطقس في يناير أو أي سبب أخر. و الآن نحن في مرحلة مختلفة كليا. و هناك أعادة أصطفاف علي أساس هذه المرحلة المختلفة و مطالبها و طموحات و قدرات كل الأطراف فيها. لقد قرر الأخوان و السلفيين الالتحاق بمعسكر المجلس العسكري ليس لغباء أو حتي أنتهازية بل لأن هذا بالضبط ما يلبي طموحاتهم في دولة أستبدادية جديدة يحكمونها هم. ربما يكونوا مخطئين مرة آخري كما أخطئوا من قبل حينما تحالفوا مع الملك أو عبد الناصر أو السادات لكنهم ليس لديهم خيار آخر فالدولة الديمقراطية يستحيل أن تحقق أحلامهم.و لكن علي الناحية الأخري فأن القوة الشبابية التي تريد تقليص مدي الثورة حتي تبقي علي هؤلاء ضمن صفوفها هي قوي واهمة. لأن لديها خيارا أخر خيار الديمقراطية و أستكمال مهمات الثورة و هذا ما سوف يحقق أحلامها في دولة ديمقراطية عصرية و في مجتمع ناهض متقدم و ليس أي شيء أخر. الأخوان و السلفيين يتصرفون طبقا لمصالحهم الثوار الذين يقلصون الثورة لاجتذاب الإخوان و السلفيين للميدان ثانية يتصرفون طبقا لأوهامهم.أن الأخوان و السلفيين قد أعطوا فرصة واسعة كي يعيدوا حساباتهم مرة و أثنين و أختاروا في كل مرة موقف معادي لاستكمال الثورة بل و وصل بهم الأمر إلي أتهام هؤلاء الثوار أنفسهم -الذين يحاولون الآن أستمالتهم -بالخيانة قبيل جمعة 27 مايو. أن الثورة عمل شديد الجدية و ليس فيه مجال لا للعواطف و لا للخواطر هذا أذا كنا جادين في أنجاحها.و النقطة الأساسية التي أثارت كل هذه الأوهام هي قضية الدستور أولا. و هي قضية منطقية لكل عاقل. و شعار الدستور أولا لا يستبعد الأخوان و لا السلفيين من تقرير ما هو هذا الدستور الجديد. لكن الأخوان و السلفيين مذعورين من "الدستور أولا" لأنهم يعدون لإصدار دستور علي مقاسهم بعد الانتخابات و أستبعاد كل قوي الثورة من أعداد الدستور الجديد. و كل حججهم في هذا المجال هي لغو باطل ليس هنا المجال للرد عليها.هل لم يعد هناك نقاط ألتقاء مع قوي اليمين الديني – الإخوان و السلفيين- ؟ نعم هناك نقاط ألتقاء قليلة ما زالت مثل محاكمة رموز الفساد و الاستبداد و مثل حقوق الشهداء لكن حتي هذه النقاط التي تنتمي كلها لتصفية حساب الماضي و ليس للبناء الجديد يتحللون منها سريعا. فهم ينصحون أهالي الشهداء بأن يحتسبوا أبنائهم عند الله. و لما لم نحتسب حريتنا أيضا و أطحنا بمبارك!؟.اليمين الديني لا يريد أي شيء يعكر تقدمه نحو السلطة باستخدام الديمقراطية التي ستنتهي حالما يصلون للسلطة قطعا. اليمين الديني لا يريد خصوصا أستمرار الحركة الشعبية لا يريد مظاهرات و احتجاجات و تنظيمات شعبية فكلها أسلحة ستكون ضده حينما يثب علي السلطة كما يحلم.و اليمين الديني يعتمد أسلوب الرشي الانتخابية من الآن مستعينا بسيل المال الذي يتدفق عليه من خارج الحدود.و هؤلاء الذين هم ضمن الإخوان أو السلفيين الذين ما زالوا مقتنعين بالثورة سيأتون أليها تدفعهم طاقتهم الثورية و ليس أي تنازلات يقدمها الثوار.و بالطبع هناك قوي أخري متأثرة بموقف الإخوان و السلفيين و ترفض الدستور أولا أستنادا لتصور أن هناك ألزام شعبي بأن تكون الانتخابات قبل الدستور. و هو أمر غير صحيح تماما. و هم بموقفهم هذا يضعون الثورة في وضع انتظار ما يتفضل به المجلس العسكري و خلفيه هذه القوي أيضا أستماله الأخوان أو السلفيين. أى أن هناك قوي لديها أوهاما أكثر عمقا عن الرجعية الدينية.
و هذه ليست المرة الأولي التي تزدهر فيها الأوهام و التعلق بالعواطف في عقول الثوار. فقبل ذلك كانت هناك أوهاما عن المجلس العسكري و عن دوره الرائع في الثورة. و قد بذل المجلس العسكري كل ما في وسعه كي يحرر هؤلاء من أوهامهم بالقبض و التعذيب و المحاكمات العسكرية و رغم ذلك فحتي هذه اللحظة لا يزال هناك ثوار لديهم أوهام و يتعلقون بحبال المجلس العسكري طمعا في الوصول لتلك اللحظة الخالدة لكنها الماضية من يوم 25 يناير.
الثوار الذي يسعون لاستعادة تحالف 25 يناير يسقطون بهذا التحالف الجديد الممكن و الضروري لاستئناف مهمات الثورة. تحالف مع أوسع قطاعات الشعب تلك التي شاركت كأفراد في الثورة مثل العمال و الموظفين و المهمشين و تلك التي لم تشارك في الثورة إلا قليلا مثل الفلاحين.الثوار الذين ينظرون ورائهم لن يستطيعوا التقدم للأمام. بدلا من أن يركز الثوار علي أستعادة لحظة يستحيل أن تعود و هي لحظة 25 يناير يجب عليهم أن يعملوا لبناء تحالف جديد يكرسون له وقتهم و جهدهم. تحالف مع النقابات المستقلة تحالف مع المهمشين تحالف مع الفلاحين.هؤلاء هم القوي الحقيقية التي هناك أتفاق واسع بينهم علي أستكمال مهمات الثورة الديمقراطية و الاجتماعية. و هؤلاء هم الطاقة الجبارة الأوسع عدد و قدرة من كل القوي السياسية أي كانت و هؤلاء هم من صنع حقيقة لحظة 25 يناير و من قام بالإطاحة بمبارك بملايينهم العديدة و ليس أي قوة سياسية قائمة الآن. و هذه القوي "الجديدة" قائمة في الواقع حقيقة ليس بشكل ناضج لكن نضجها لن يكتمل بدون الانخراط الواسع في العملية الثورية. بدلا من محاولة الحفاظ علي الرجعية الدينية داخل مربع الثورة لندعوا هؤلاء إلي هذا المربع. بدلا من أن ننسق مع قوي رمتنا بالخيانة من قبل لما لا ننسق مع النقابات المستقلة و مع نقابات الفلاحين لما لا ننسق مع أهالي الشهداء. ربما لا يجيد كل هؤلاء الكلام السياسي المنمق لكنهم هم قوي الثورة الحقيقية. لم لا نرفع شعار الأرض لمن يفلحها و المسكن لمن يسكنه لما لا نرفع شعار إلغاء ديون فقراء الفلاحين لما لا نحاول أن نجتذب الفلاحين الذين هم فعلا يشكلون نقاباتهم المستقلة و نكرس وقتنا لمماحكات شكلية مع الإخوان حول الدستور أولا ثم نحذف الدستور أولا أرضاءا لهم! لما لا نرفع شعار الدولة مسئولة عن أطفال الشوارع لما لا نضع في جوهر أهتمامنا أهتمامات شعبنا و هذا شيئا أضافيا لمن يتصورون أن هناك ألزام شعبي .أن الثورة هي حركة للأمام و حينما تبدأ هذه الحركة في التلفت حولها و في محاولة أستعادة الماضي تكف تدريجيا عن أن تكون ثورة و تهدي نفسها إلي خصومها طائعه.
No comments:
Post a Comment