نكبة 48 نكبة 2010
لا مثيل لكمية الذي كتب عن "النكبة" و في حدود أطلاعي أعتقد أن درسها لم يستوعب حتي الآن بل لم نبدأ في فهمها بعد أكثر من 62 عاما !! فالنكبة ليست أن الحركة الصهيونية الرجعية العنصرية العالمية أستولت علي فلسطين عنوة من أهلها و طردتهم منها. هذا مجرد جانب واحد من النكبة جانبها الآخر هو سلوك الفلسطينيين – و الدول المحيطة عموما – في مواجهه تلك النكبة. النكبة طريق ذو أتجاهين و حركة في التاريخ لا يكفي لتوصيفها أتجاه واحد مهما بلغت قوته و ألا كنا علي الصعيد النظري نشارك الغزاة في غزوهم. خاصة و أن النكبة لم تقع في سماء صافية بل تم الأعداد لها لمدة 60 عاما و أكثر قبلها و أعلن عنها رسميا في وعد بلفور 1917 فلا يمكن أن نكون أخذنا علي حين غرة. ثم أن التاريخ يوضح أن الشعب الفلسطيني لم يقف متفرجا بل قاوم و قاوم بشراسة في ثورات متتالية أشهرها ثورة 1936 و 1939 ثورات أستمرت أعواما. فمقابل نجاح الصهيونية هناك فشل الشعب الفلسطيني هذه هي النكبة. و فشل الشعب الفلسطيني يرجع في المحل الأول لتخلف قواه الاجتماعية و سيادة العلاقات الإقطاعية و العشائرية و بالتالي القيادة الرجعية للثورة. في تقديري هذا هو جوهر درس النكبة. لكن النكبة لم تقف و تنتهي عند 48 بل أستمرت معنا حتي لحظتنا هذه. بل و تعمقت. مرة أخري ليس هذا بسبب نجاح دولة إسرائيل في التوسع و الاستيطان و العدوان وراء الأخر و هزيمة 67 . و لم تتعمق بسبب أن إسرائيل أصبحت أقوي دولة في المنطقة و لديها أسلحة ذرية و أقتصاد أوروبي و تفوق علمي و تكنولوجي الخ. كل هذا هو أحد أتجاه الطريق الاتجاه الأخر هو فشل الشعب الفلسطيني و المصري و السوري في بناء قوة اجتماعية و ثورية قادرة علي أستعادة "الحقوق" و هي بين مزدوجين لأن التاريخ لا يعرف لأحد حقوقا.التاريخ يعرف الصراع الضاري بين مختلف القوي القومية و الاجتماعية. و هذا هو أيضا في تقديري درس نكبة 2010 غياب أستراتيجية ثورية مستندة لقوة اجتماعية قادرة علي عكس تيار النكبة.
و كي أوضح أكثر لقد حلت بالجيش المصري هزيمة ساحقة في 67 و كان من الممكن أن تكون هذه الهزيمة مستمرة حتي الآن لكن الجيش أعاد تنظيم صفوفه و وضع خطة و شرع في تنفيذها و سار علي طريق نفي الهزيمة.أما فيما يخص الشعب الفلسطيني و الشعوب الأخري المعنية فلم يبدأ السير بعد علي طريق نفي النكبة.
و كي نطبق هذا المثل علي تاريخ المقاومة الفلسطينية و الشعب الفلسطيني. نجد أن حركة المقاومة أنطلقت في عام 65 علي أساس مليشيات مسلحة تقوم بعمليات عسكرية ضد العدو. لكن ما حان عام 1970 – تاريخ هزيمة تلك المليشيات في الأردن – حتي أتضح أن الميلشيات المسلحة غير قادرة علي تحقيق نصر عسكري في مواجهه القوي المشتركة لإسرائيل و الدول العربية أو حتي لاحداهما. و هذه طبيعة المواجهات العسكرية منذ فجر التاريخ القوي المنظمة أكثر قدرة علي النصر العسكري.و لنتجاوز عن الخلل المفهومي لدي الكثيرين بين حرب العصابات و بين حرب التحرير الشعبية فالأول مفهوم عسكري و الثاني مفهوم اجتماعي سياسي. لكن المقاومة الفلسطينية لم تستفد من درس 70 و حاولت في نفس الطريق من جديد حتي 82 – تاريخ الهزيمة في لبنان – ثم مرة حديثة في 2008 في غزة. كل مرة يثبت عمل الميلشيات أصطدامه بجدار التفوق العسكري الإسرائيلي.لكن في ظل غياب وجود فاعل للمليشيات عام 87 – حماس لم تكن وجدت بعد - قدم الشعب الفلسطيني علامة للمستقبل في الانتفاضة الأولي حركة شعبية ليست حركة ميلشيات و حقق الشعب أول نصر حقيقي باتفاق أوسلو. أعلم أن كثيرين سيقولون هنا أن أوسلو هو كذا و كذا و كل النعوت السيئة الممكنة. و أنا معهم في هذا كما يشاءون لكن لم تكن إسرائيل لتقدم تنازل أوسلو لولا أنتفاضة 87. مشكلة أوسلو مثل مشكلة معاهدة كامب ديفيد تنازل إسرائيلي غير كافي لحركة في الاتجاه الصحيح. فهل تعلمت الميلشيات من درس 87 ؟ كلا أنطلق طريقين كلاهما يبتعد عن درس 87 بل كلاهما ضد درس 87 طريق التفاوض من أجل الدولة ! و طريق الاستمرار في عمل الميلشيات. أنتهي طريق التفاوض عام 98 في مفاوضات كامب ديفيد حيث اتضح أن الاهتمام الأمريكي لا يكفي للتعويض عن غياب القوة العربية. و تقريبا في نفس الوقت أنتهي طريق ما يسمي بالمقاومة. حينما أنهي جدار الفصل العنصري أمكانيات العمليات الانتحارية. ليتضح من هذا أن درس النكبة المستمر لم يصل بعد للشعب الفلسطيني و قواه الحية أو علي الأقل لم يسود واجهه الحياة الفلسطينية.و منذ ذلك التاريخ تنشغل الحياة الفلسطينية بالجدل العقيم حول ثنائية المقاومة و التفاوض بنما لا أمكانية للمفاوضة و لا للمقاومة. ناهيك عن أنه لا يوجد تعارض بين المقاومة و المفاوضة عوضا عن السؤال الحقيقي و هو من يقاوم و من يفاوض.أي قوة اجتماعية تقود المقاومة أو المفاوضة و أي مجتمع فلسطيني يدعمها تماما مثلما كان السؤال في 1936. و في هذا لا تفرق رام الله عن غزة كلاهما نظم أستبدادية لا يمكنها أكثر مما فعلت.
و لا تختلف حركة مساندة الشعب الفلسطيني في قسمها الأعظم في عدم أستيعاب درس النكبة. و أقصد بحركة المساندة جماع النشطاء في مصر و غيرها الذين يرون أن القضية الفلسطينية قضية أساسية بالنسبة لهم. بل ربما هم في حال أسوء. فتلك الحركة تتميز في أغلبها باستبدال الحركة الإيجابية في الواقع بالرموز. فما أن ينطلق صاروخ من غزة حتي يصبح هذا دليلا علي المقاومة دون بحث كيف يمكن للصواريخ أن تعيد الوطن. و ما أن يقال خطاب عنتري مليء بعبارات من نوع "الثوابت" و المقاومة حتي يصبح هذا دليلا علي صحة الاتجاه بدلا من الفهم الموضوعي للقضية. بل لقد تحولت حركة المساندة إلي حركة مساندة لنظام حماس الاستبدادي في مواجهه نظام رام الله و نسينا موضوع الشعب الفلسطيني برمته القابع تحت نير النظامين.
أن درس النكبة هو أنه لا يمكن التحرر بدون بناء مجتمع جدير بالحرية. هو نفس الدرس في مصر و سوريا و فلسطين.و بالنسبة لفلسطين القضية أكثر حدة و تفجرا. بدون أن ينتزع الشعب الفلسطيني سيطرته علي المفاوضة و المقاومة و علي شئون حياته ليس في الدويلتين فحسب بل في كل مخيم و موقع تجمع. بدون بناء مجتمع متعدد حر و خاصة متضامن أشد التضامن بدون هذا لا أمل في التحرر. فما الذي يمكن أن يفعله شعب حر و لم تفعله المقاومة حتي الآن؟. الشعب الحر سيقوم بما لم تقم به كل المحاولات السابقة و هو توحيد الشعب الفلسطيني خارج 48 و داخل 48 و خارج فلسطين. ثم سيقوم بما لم يقام من قبل و هو تحويل عملية التحرر لتكون لصالح كل الشعب بدلا عن النخب المختلفة. لكن ليس هذا كل شيء فالدرس الثاني للصراع و هو أن تحرير فلسطين يشترط تحريرا لدولة واحدة علي الأقل مجاورة. خاصة مصر. لكن لا يكفي أحد الشرطين أي كان. فلن تحرر مصر فلسطين ناهيك عن إيران. سيحرر فلسطين الفلسطينيين. و من السخرية أن نظام عباس يقول أن الأنسب هو حركة مقاومة شعبية في مواجهه المقاومة المسلحة. لكن أول شيء يجب أن تفعله حركة المقاومة الشعبية هو الإطاحة بنظام عباس نفسه. فحركة المقاومة الشعبية تعني أساسا أن تكون السلطة للشعب و ليست ورقة في المفاوضات سواء تلك الفلسطينية الإسرائيلية أو الفلسطينية الفلسطينية.
بعد 62 عاما يبدو المشروع الصهيوني قد توطد بما لا مزيد عليه لكن أيضا بعد كل هذه السنوات تبدو تناقضات هذا المشروع أعمق من أي وقت مضي. فالدولة "الديمقراطية" أصبحت أكثر و أكثر عنصرية صريحة بل و ثيوقراطية أيضا. و مجتمع العلم و التكنولوجيا يقف فوق أساس من الشعوذة و الأساطير. و القوة الاقتصادية الكبري لا شيء بالنسبة لثروات المنطقة المحيطة. و الدولة التي كانت محل عطف العالم باعتبارها دولة المضطهدين تصبح يوما بعد أخر في عيون العالم دولة الاضطهاد و القمع. و الشعب الفلسطيني علي الناحية الأخري سيحتضن يوما ما درس النكبة المستمرة.
No comments:
Post a Comment