حد أدني للأجور – ماذا بعد الافتتاحية
سريعا أتضح أن قضية الحد الأدنى للأجور يمكن أن تكتسب أنصارا في كل مكان. و أتضح أن هذا الشعار سيصبح حاسما في كل تطور سياسي قادم. فالآن حتي ممثلي النظام يتحدثون عن الحد الأدنى. فماذا بعد
أن طرح قضية الحد الأدنى يضع تحدي ليس أمام النظام فحسب بل أمام الشعب أيضا. تحدي أن يظهر الشعب من الطاقة ما يكفي لحسم هذا الموضوع لصالحه. و قد عاب سلوك النخبة – المثقفين و القيادات العمالية أيضا – حتي الآن في رفع هذا الشعار – أذا غضينا البصر عن التأخر – أنه سلك سلوك قضائي من الناحية الأساسية. أن الوهم القضائي ما زال منتشرا وسط شعب لم يصل بعد للثقة الكافية بالنفس في القدرة علي التغيير. لكن هذا سيتغير. ما يهم الآن هو بناء شعار الحد الأدنى وسط الشعب و بالوسائل الشعبية. أي أن الشعار لن يتحول إلي قوة قادرة علي التغيير لو ظل منحصرا في الوقفات و الفضائيات. و لن يتحول إلي قوة قادرة علي التغيير ما لم يخرج من أطار المناقشات إلي العمل الجماهيري الواسع. فكما ناضل العمال و الموظفين من أجل العلاوة و الكادر يمكنهم أن يناضلوا بنفس الوسائل من أجل الحد الأدنى. ألاختلاف هنا جوهري و هو أنهم سيناضلون معا بدء من أساتذة الجامعات إلي الممرضات و العمال و كل مواطن في مصر. ولو تركت قضية الحد الأدنى كي يتم تقريرها من خلال "اللجنة" لانتهت قبل أن تولد.
أن تكتيك النظام هو أننا "جميعا" نعيش وضع صعب. و أنه لا يمكننا الآن زيادة الأجور إلا بزيادة التضخم و الخ. و من المهم أن بعض النشطاء يشاركون في هذه الحوارات. لكن ليس علينا أن نحل مشاكل النظام تلك المشاكل التي خلقها بنفسه و تحمل الشعب ويلات بسببها. لذا يجب أن يكون موقفنا أنه أذا كان في الشعب مليارديرات فمطلب حد أدني من 1200 قابل للتحقيق و سوف يتحقق. أما كيف و لما فهذا أمر تالي تبحثه الحكومة مع نفسها. فلم يبع الشعب الغاز رخيصا و لم ينهب البنوك و لم يبيع المصانع برخص التراب الخ. علاوة علي انه لم يهمل التنمية و لم يضع الخطط الاقتصادية. أما قضية التضخم فإذا أرتفعت الأسعار بعد أقرار الحد الأدنى سنرفع الحد الأدنى. هذا يجب أن يكون الموقف الشعبي. لقد كان و ما زال الشعب طوال عقودا يدعم النظام من خلال التغاضي عن حاجاته الأساسية و بالمال مباشرة لشراء الخدمات التي كان يجب أن تكون مجانية – التعليم و الصحة مثلا – لكن النظام تخلي عنها. أن كل جنية يدفع في درس خصوصي هو دعم للنظام الذي عليه أن يوفر التعليم مجانا. و لقد سئم الشعب دعم هذا النظام و أصبح نصف السكان تحت خط الفقر و آن الوقت كي ينخفض الدعم الشعبي للنظام من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور. أن الثروة القومية تتم أعادة توزيعها مرة من خلال القوانين و مرة بالفساد لصالح الأغنياء و علي حساب الفقراء و آن الوقت كي يعود و لو قليل من التوازن لتوزيع الثروة في مصر هذه هي قضية الحد الأدنى أذا كانت الحكومة قادرة عليها فأهلا و ألا فلترحل و تأتي حكومة جديدة و نظام جديد يعيد توزيع الثروة في مصر. أن أعادة توزيع الثروة هو مطلب "ديمقراطي" تماما و هذا ربما ما لا يدركه كثيرا من النشطاء
و تطرح قضية الحد الأدنى أيضا مسائلة التوازن بين مطالب الحريات العامة و المطالب الاقتصادية. الأولى تحظي بأولوية بين النخب المسيسة و الثانية يتزعمها الشعب.و الآن بدا يحدث الاندماج بين هذا و ذاك. و ربما يحدث حتي تنافس بين تلك المطالب و بعض. و هذا يفتح طريق الحياة لكليهما. الحاسم هنا هو كيف يدور العمل حول هذه المطالب هل من خلال العمل الشعبي الواسع أم من خلال العمل المعزول للنخب. و العمل الشعبي الواسع له شروطه و هو أن تتمحور أى حركة حول الشعب. و هذا يفتح الباب للتخلص من "الإصلاح" الديمقراطي الذي يدعيه النظام و من أوهام الديمقراطية التي تداعب الكثيرين و يضع الجميع أمام الأرض الصلبة لسلطة الشعب.
No comments:
Post a Comment