الاشتراكية بين المحلية والأممية
بقلم مصطفى عطية
1
عزيزي حسن.. عفوا للتأخر بسبب التنقلات والعمل.. عندما قلت في أول تدخل: هل هذه هدية أم فخ عنيت ما أقول. فالفخ نصب ولا يمكن التملص منه. لا أظننني بحاجة لتقديم تعريف للاشتراكية فسيكون تعريفا تأمليا أو نظريا. وفي ...ظني أن المخرج يبدأ من سؤال عن أي مجتمع نتحدث الآن وبالتالي عن تصور مستقبله. فالفرضية الأساسية لمحتوى نظري تستند إلى الواقع وإلا بعدت الشقة بين كل تصور نظري وتحققه. فالتاريخ اثبت ان سقوط نظم قالت بتطبيق فكرة الاشتراكية في مجتمعات مختلفة يطرح التساؤل ليس حول الفكرة في صحتها النظرية وإنما في ووسائل تطبيقها. ان عدم دفاع الغالبية، التي كان من المفترض أن الفكرة تمثلهم، ضد سقوط النظم يعني أن هناك فجوة بين الفكرة والتطبيق وبين الفكرة والإنسان في المجتمع المعاصر. هذه الفجوة تعود لأن وسائل تطبيقها روجت للفكرة دون تنفيذها فعليا من ناحية وإلى أن الإنسان حرم إبان فترة التطبيق الخاطئ من مسلمات ضرورية له كانسان وهي في كلمة حرم من الحرية.
وبالتالي فالتساؤل الذي يستحق التصدي له هل هناك "اشتراكية عامة" صالحة لكل زمان ومكان ؟ هل اشتراكية للغرب هي ذات الاشتراكية لمجتمع إفريقي ؟ هل سيطرة الطبقة العامة على وسائل الإنتاج كحل تطرح في الطرفين ؟ وهل الصراع الطبقي هو ذاته في المجتمعين ؟ وهل حلم الإنسان الفرد العامل في كل المجتمعين هو نفسه ؟ وهل التنظيم السياسي والنقابي مماثل وله ذات الفاعلية ؟ وهل الوعي الاجتماعي والسياسي العام متشابه ؟ وهل التقدم العلمي والثقافي على نفس الدرجة ؟ وهل المهيمن على الاقتصاد والسياسة والثقافة هي ذات الطبقات في الطرفين ؟ وبدقة هل يطرح في الغرب تطبيق للاشتراكية ويقود الطرح أحزاب ثورية تسعى لقلب نظام الملكية وعلاقات الإنتاج وتمكين الطبقة العاملة من السلطة ؟
ممكن طرح عشرات الأسئلة الإضافية وهناك ضرورة أن لم تكن حتمية للإجابة عليها بوضوح قبل تقديم تعريف للاشتراكية هنا وهناك. المشكلة بالنسبة لي هو كتابتي طوال 6 سنوات في تلك المسألة مباشرة أو بصورة غير مباشرة ولكن عن الواقع الغربي وخاصة الفرنسي ولا أعرف ماذا أكرر قوله.. ربما أجد الحل في إعادة وضع مقتطفات من مقالات ترد بشكل ما على بعض الأسئلة وما التصورات التي للاشتراكية في الغرب. ففي الغرب السؤال لم ينفذ ومازال يطرح منذ سنوات وأمامي عشرات الكتب والمقالات تتناول هذه المسألة بين : "الحلم في الثورة الذي كان".. و"نحو ماركسية للقرن الواحد والعشرين".. و"من أجل خيال سياسي جديد".. و"الروح الجديدة للرأسمالية"... وغيرها.
أن نعيد النظر في معنى الاشتراكية لازم من منطلق من أنها لا يجب أن تظل في دائرة الحلم المستحيل التحقق. ولكن ما القوى السياسية التي لديها الوعي وتقود "الطبقات العاملة" لتحقيقها ؟ وهذا سؤال مكمل للأول بالضرورة. وإعادة النظر لا تعني قبول الاستغلال الواقع على العاملين وإنما تحديد الكيفية التي يلزم بها انجاز التحول أو التغيير. فمن يقوم بالاستغلال تغير شكله ومحتواه مع العولمة ولم يعد بالضرورة فرد أو أسرة ولكن شركات متعددة القوميات. فما الموقف الثوري من شركة تقوم بعملية محدودة في عملية الإنتاج فتقوم فقط بتركيب أزرار قميص في حين ان القطن ينتج في بلد أخر ثم يتم غزله في بلد غيره والنسيج في بلد مختلف وصناعة القميص في بلد جديد؟
2
المشكلة التي نواجهها يمكن ان تتلخص في رسم مبسط للعالم اليوم وتوجهه السياسي. ومع العلم ان لا شيء يتسم بالثبات إلا ان هناك بعض المعطيات التي على ضوئها يلزم التفكير. في البلدان الأوربية تتسارع موجات التوجه لليمين بوتيرة سريعة منذ عدة سنوات. ...وهذا اليمين في إجماله يتخذ سياسات محددة. فمن ناحية يحدث تقهقرا للمكاسب الاجتماعية التي حققتها الطبقات العاملة بل والطبقة المتوسطة منذ عشرات السنين من النضال. ونتج عن ذلك أن هذه الطبقات أصبحت في دور الدفاع لمجرد الحفاظ على تلك المصالح أو عدم فقدها كلها وليس المطالبة بالمزيد من الحقوق. بالإضافة إلى أن الرأسمالية في ثوبها المتجدد وبقيادة الأحزاب اليمينية تتميز بالقدرة على تبني أفكار اليسار والمدافعين عن البيئة وتحويرها واستغلالها وبهذا تفرغ برامج اليسار والمطالبين بعالم مغاير من مقولاتهم. فاليمين هو الأكثر حركية بتوسيع قاعدته الاجتماعية وتحويلها إلى محافظة بل ويمينية متشددة. ويستخدم اليمين اطروحات تسمح له بتوسيع قاعدته بإشعال قضايا المهاجرين وكأنهم هم من يعقد من مشكلة المجتمع الرأسمالي برمته في حين أن رأس المال برغم الأزمات التي يمر بها يخرج أكثر عنفوانا بتحميل الشعب بكل طبقاته ثمن أزماته.. ولا تكفي أزمة اليونان للبرهنة ولكن بفرنسا أيضا تحدث نفس الإستراتيجية.
النقطة الثانية أن معسكر اليسار إجمالا في الغرب لم يتمكن من بلورة نظرة حداثية موحدة ومتجددة بعد سقوط المعسكر "الاشتراكي". بل يمكن القول ان القوة الأساسية التي تتحرك وتجبر أحزاب اليسار للتحرك يعود للنقابات والجمعيات الأهلية أو المدنية. وهذا لا يعني غياب كامل للمحاولات ولكنها تظل محاولات مفكرين وليس أحزاب سياسية. وفي كل الأحوال فأكثر التوجهات ثورية لا تقودها إلا أقلية حزبية وخاصة من التروتسكين أو قدامى الماوية. أما الحزب الشيوعي "فيدك والأرض" والحزب الاشتراكي فهو ليبرالي بوجه شبه إنساني.
تلك بعض الملاحظات إلى أن أجد حلا لكيفية تقديم وجهة نظر لما يقال في الغرب بشكل متماسك. وبطبيعة الحال سوف يصعب علي مناقشة كل القضايا التي ذكرت في المقالين محل الحوار إذ قناعتي هي ليست تقديم إطار نظري مجرد بقدر ما هو تقديم فكرة عن كيف تريد "مجتمع الغد" وبشكل عيني. وعفوا فالموضوع فخ وسقطت فيه ولا اعرف كيف سأخرج منه. فصبرا جميلا.
كتب الصديق مصطفي عطية هذه المقالة تعليقا علي مقال "ما هي الاشتراكية"
http://egyptleft.blogspot.com/2010/09/blog-post.html
لما نناقش الاشتراكية!
ReplyDeleteتعليقا علي مداخلة الصديق مصطفي عطية الاشتراكية بين المحلية و الأممية
نحن في حاجة كي نفك بعض الخيوط و نحل بعض العقد كي يتضح كيف و لما نناقش الاشتراكية في مصر و ما علاقة ذلك بمناقشتها في أوروبا.
في مصر حيث اليسار له قاعدة شديدة الهشاشة و له تاريخ ممزق بين موجات منفصلة أصبحت الاشتراكية غريبة عن الجيل الجديد. و حتى الجيل القديم – جيل السبعينات – كان منظوره للاشتراكية ملوثا بشدة بالمفاهيم الناصرية عنها. أننا في حاجة لاستعادة أسس ربما هي مسلمات لدى شباب أوروبيين – ربما محدودي العدد لكنهم تمتعوا بقاعده اليسار العريضة التاريخية في أوروبا.
و في مصر أيضا فنحن علي خلاف رفاقنا الأوروبيين نواجه تنين مزدوج الرأس. رأس له تطل علينا بالمفهوم الكلاسيكي الأوروبي للصراع الطبقي – الاستغلال الاقتصادي و الهيمنة السياسية لطبقة رأسمالية حاكمة – و رأس آخري تبرز كهيمنة أجنبية أستعمارية علي كامل المجتمع. أو بكلمة أخري فنحن مستغلون من قبل رأسمالية محلية و آخري عالمية و علي الرغم من علاقتهم العضوية فهم طرفين مختلفين. و هذا يضيف تعقيدا علي المهمة التي يواجهها اليسار. و في كثير من الأحيان تتحول الاشتراكية الي مجرد معاداة أو الانتصار علي الإمبريالية.
و في مصر كما في أوروبا أدي أنهيار الاتحاد السوفييتي إلي موجة صادمة عاتية. لكن الاستجابة لها كانت مختلفة تماما فبينما في أوروبا كان هناك أستجابة فكرية و سياسية و تنظيمية – بصرف النظر عن مدي نجاعتها – بل أن تلك الاستجابة كانت حتي مبكرة عن لحظة الانهيار النهائي مثلا في ثورة الشباب عام 68 بينما في مصر لم تتبلور مثل تلك الاستجابة مطلقا لأن اليسار كان أضعف كثيرا من أن يقوم بمثل هذه المهمة.
و في مصر كما في أوروبا نحن أيضا نعاني من موجة مد يميني و خاصة يميني ديني. لكن بينما تلك الموجة في أوروبا ما زالت تشكل ظاهرة جانبية فهي في مصر تشكل قاعدة أساسية. و بينما في أوروبا تحاول بناء مفهوم رجعي للهوية الوطنية ففي مصر تلغي تلك الهوية بالجملة لصالح هوية آخري مخترعة – نظرية الأمة الإسلامية – و هي في مصر من الأتساع بحيث أصبح النظام يبدو في عدد من القضايا أكثر تقدمية من مجمل الشعب – المرأة حرية العقيدة الخ – لدرجة أن القضاة - و هو يحسبون كأحد ركائز مواجهه النظام - يرفضون بأغلبية ساحقة تعيين نساء في منصب قاضي.
لكن كلا من اليسار في مصر و في أوروبا لدية نفس الحاجة للحلم فبدون الحلم لن نذهب لأي مكان.
و من المنطقي أن يتناقش اليسار الأوروبي في طبيعة الاشتراكية و هل هي عامة أم خاصة. ففي أوروبا تحديدا مرت لحظات كانت الاشتراكية تبدو قريبة في اليد. أما في مصر فما زال علينا أن نناقش مبدأ الاشتراكية كحلم جامع لهؤلاء الباحثين عن التحرر سواء من اليسار أو من الهالة الأوسع جدا من الشباب الذي ليس لديه مثل هذا الحلم بعد.
أحد الدروس الهامة لتفكك الاتحاد السوفييتي التي ربما لا يتوقف المرء عندها طويلا هي أن الظواهر كثيرا ما تكون خادعة. ففي آخر الستينات كان يبدو كما لو أن اليسار حصل علي الضوء الأخضر من التاريخ. فمن فيتنام إلي أنتصارات حركات التحرر إلي ثورات أوروبا و أمريكا الشبابية إلي تنامي القوة العسكرية السوفييتية. لكن ما كان تحت السطح كان حقيقة أكثر أهمية بكثير. و في خلال ثلاثة عقود فقط أنقلبت الآية رأسا علي عقب. و ربما اليوم نحن نواجه مظاهر خادعة من لون مختلف. و تتبدي روعة الجدل في رؤية الأمور في تناقضاتها. فمثلا علي الرغم من المد اليميني السائد يبدو العالم من ناحية أخري أقرب كثيرا للاشتراكية من أي يوم مضي. فالشركات متعددة الجنسيات و الهجرة و ثورة الاتصالات وحدت العالم بشكل غير مسبوق. و هذه الوحدة العالمية التي تتعمق كل يوم كانت أحد الشروط التي حلم بها ماركس لتحقيق الاشتراكية. لكن عوضا عن ثورة أوروبية شاملة تقدم لباقي العالم هدية الاشتراكية نحن لدينا وحدة أعمق كثيرا جدا بين أطراف العالم و هذا النقاش نفسه أحد مظاهرها.
أن اليسار في أوروبا ربما محمل بإرث عظيم من الأمجاد و الوسائل و الخبرة – مثلا أحزاب نقابات معارك فكرية الخ – و هذه ميزة عظمي مقارنه بمصر و لكن من ناحية آخري فأن اليسار في مصر يتمتع لحد كبير بصفحة بيضاء يمكنه أن يخط فيها ما يشاء في ضوء واقع جديد. فكما قال كسينجر عن السادات أن غياب البدائل يحرر العقل بصورة رائعة.