حقيقة انتفاضات الطلاب المصريين في السبعينات
مقال تعليق علي مقال في موقع مركز الدراسات الاشتراكية "تحليل لطبيعة الانتفاضات الطلابية" بقلم سلمي رشدى
http://www.e-socialists.net/node/4415
يبدو لي لن هذا المقال مترجم عن اصل اجنبي سواء من حيث الأسلوب اللغوي أو من حيث معرفه الكاتبة بالحركة الطلابية في مصر أو أن الكاتبة الأستاذة سلمى رشدي لا تعرف الكثير عن ما نعرفه باسم حركة السبعينات
على كل حال يتميز المقال بالخلل سواء التاريخي أو النظري - من وجه نظر الماركسية - بشكل معيب ناهيك عن عدم التعرض لقضية جوهرية و هي الدور الذي لعبته تلك الحركة في سياق الصراع الطبقي في مصر
من هم الطلاب
تعتقد الكاتبة أن "إن الطلبة جماعة من البشر لا تتمتع بأي علاقة محددة بعملية الإنتاج،" و هذا شيء صحيح تماما و لكنه لا يختصر وضع الطلاب الطبقي. و إلا لاعتبرنا أن أبناء العمال خارج الطبقات و الكبار في السن و الخ. أن الوضع الطبقي مرتبط بالدور في علاقات الإنتاج. و لكن هذا الدور يترتب علية أشكال فوقية (أفكار و اتجاهات سياسية الخ) و مستوى معيشي (علاقات التوزيع) و تشكل تلك خصائص طبقية لكل طبقة اجتماعية على حدة. فهناك خصائص للطبقة العاملة من حيث التيارات السائدة فيها و مستوي معيشتها الخ. و هناك خصائص للبرجوازية الصغيرة من نفس المنظور تلك الخصائص حينما تطبع بطابعها فئة من السكان فان تلك الفئة تسلك سلوك الطبقة صاحبة تلك الخصائص. لذا فأبناء العمال هم من الطبقة العاملة و أبناء كبار الملاك هم من طبقة كبار الملاك مع عدم اندماج كامل كل في الطبقة المشار إليها. لذا فان الطلاب هم من البرجوازية الصغيرة بحكم السيادة الفكرية وسطهم و بحكم مستوى معيشتهم و أن كانوا يتمتعون بدرجة من الاستقلال. و هو الأمر الذي يميز الشباب عموما بسبب عدم انخراطهم في العملية الإنتاجية. و الطلاب مضطهدون بما انهم من البرجوازية الصغيرة و ما تعلق الكاتبة عليه وزنا كبيرا جدا و هو الامتحانات ليس له آي شأن بالموضوع - وربما الأمر كذلك فى دول أجنبية لكن ليس في مصر - فلم يسمع أحدا عن انتفاضة طلابية في مصر من اجل الامتحانات على كثرة انتفاضاتهم. و لذا تضطر الكاتبة أن تعود فتقول "نتيجة للتوسع في التعليم العالي، التحقت أعداد واسعة من أبناء البرجوازية الصغيرة بالجامعة، حتى أصبحوا يمثلون غالبية الطلاب،" فلم تم "التوسع في التعليم" أليس لاستماله البرجوازية الصغيرة في الأساس!
و تقول الكاتبة في موضع أخر "والطلبة ليسوا طبقة اجتماعية ولا يمكن أن يكونوا، فهم ـ كما ذكرنا من قبل ـ جماعة من الشباب من طبقات اجتماعية مختلفة في مرحلة انتقالية مضطهدون ويعانون من أزمة معرفية وحالة اغتراب عامة،" و أذا كان الأمر كذلك فلم ينتفض الطلاب دائما في مصر من اجل مطالب وطنية و لما يعادون النظام و ما هو معني حاله الاغتراب العامة. للأسف الكاتبة هنا تحاول حل قضية نظرية بتجاهل الواقع و هذا عيب منهاجي خطير. الطلاب هم شريحة من البرجوازية الصغيرة في أي مجتمع و هذا ما يقدم تفسيرا لحركتهم
الحركات الطلابية في مصر
للأسف لا تري الكاتبة - ربما بحكم عدم الاطلاع - أن الحركة الطلابية كانت هي المحرك الأساسي للنضال الوطني منذ ثورة 1919 و استطاعت الحركة الطلابية أن تنجز عديد من المنجزات الهامة في تاريخ الصراع في مصر الحديثة بالتعاون مع مجمل الطبقات الشعبية و خصوصا الطبقة العاملة. بدء من ثورة 19 نفسها إلى معاهدة 36 إلى جلاء الاحتلال عن المدن و استطاعت أن تقطع الطريق على تنازلات كبار الملاك و الرأسماليين للاحتلال معاهدة صدقى بيفن بل و وصلت إلي تنظيم عمل فدائي في القناة . و من ناحية أخري كانت الحركة الطلابية هي المعمل الذي افرز الكوادر اليسارية من كل نوع و هي التي جعلت معاداة الإمبريالية موقف شعبي بل وسعت للتواصل مع حركة العمال - اللجنة الوطنية للعمال و الطلبة - و التي صاغت و عبرت عن مجمل الطبقات الشعبية فى مصر
و نفس الأمر يقال عن الهند و عن كل دول العالم الثالث فقط الكاتبة لا تستطيع أن ترفع عينها عن أوروبا و حتى في أوروبا فان مقولة الكاتبة "لا يمكن أن يصبح الطلبة ثوريون إلا في تمرد البرجوازية ذاتها على النظم الإقطاعية والملكيات المستبدة ولكن عندما تواجه البرجوازية تهديدًا ثوريًا من قبل الطبقة العاملة، سيتخذ هؤلاء الطلاب موقفًا رجعيًا،" تنقصها المصداقية لكن لا يتسع المجال لبحث ذلك
دور حركة السبعينات
أهملت الكاتبة تماما ذكر أي إنجازات للطلاب في السبعينات - أو ربما لا تعرف - فلم يكن نظام السادات ليقدم على حرب أكتوبر لولا الحركة الطلابية فلقد كانت كل الدلائل تشير إلي عزم النظام على التخلي عن أسلوب الحرب و اللجوء إلي تسوية مع أمريكا و إسرائيل. و منذ مجيء السادات و هناك مؤشرات متزايدة على ذلك بما فيها عدم شن الهجوم في عام 1971 كما هو معروف. لقد وضعت الحركة الطلابية النظام في موقف كان يستحيل فيه عدم شن الحرب. و قبل ذلك كان لحركة 68 - الطلابية العمالية - الفضل في كسر الهيمنة السياسية المطلقة للنظام و حتى في محاولة النظام فتح الباب لمشاركة أوسع بشكل ما بيان 30 مارس . و بعد حرب أكتوبر - و هنا الكاتبة لا تعرف مطلقا ما الذي حدث – كانت الحركة الطلابية و اليسار عموما هو الذي اطلق محاولة قطع الطريق على الاستسلام و هي التي عملت على فضح هذا السلوك بدء من محادثات الكيلو 106 الخ. و قد ارتبكت الحركة الطلابية عام 1974 بفضل تغير المناخ السياسي و لكنها لم تتوقف بل استجمعت قواها و في 1975 كانت مع الحركة العمالية التي تفجرت بقوة - أضراب الحديد و الصلب 1975 - و بدأت تمتد جسور بين الحركتين ليس أدل علي ذلك من سعي مظاهرات الطلاب للذهاب لمواقع عمالية و العكس في انتفاضة 77.و تعددت المواجهات بين الطلاب و النظام و امتدت إلي مواقع جديدة و نتاج ذلك أن انتخابات 1976 كانت اكثر انتخابات حرة تشهدها مصر – بفضل الإصرار الشعبي - حتى الآن بعد ثورة يوليو و هي الانتخابات التي دفعت - رغما عن النظام - عديد من ابرز وجوه المعارضة اليسارية إلى البرلمان - مثل محمود القاضى و ابو العز الحريرى و غيرهما - و تحول البرلمان الى منبر حقيقي . و لم تكن انتفاضة 1977 لتأتي من فراغ بل إنها كانت التتويج الهائل لأعداد طويل في أعوام 75 و 76. و منذ ذلك التاريخ و حتى الآن لم تستطيع حركة جماهيرية ان تكتسب مثل هذا الزخم و الوعى و التأثير مثلما كانت حركة السبعينات
قيادة حركة السبعينات
مرة آخري خلل منهاجي في مقال الأستاذة سلمى رشدي. و هو الخلط بين الحركة الجماهيرية و بين قيادتها. حركة الجماهير هي حركة مستقلة تماما عن منظمات أو قيادات لهذه الحركة. و باستثناء لحظات خاصة جدا في التاريخ حينما تستطيع منظمة ما أن تحوز نفوذا هائلا وسط الجمهور و أن يمنحها الجمهور ثقة عالية جدا و أن يكون قد تربى بتوجهاتها الفكرية و السياسية تمثل الحركة الجماهيرية انعكاسا مباشرا للسلوك الفكري و السياسي لهذه المنظمة و هذه لحظات الثورة و لكن عموما هناك تمايز و انفصال بين حركة الجماهير و السلوك السياسي و الفكري للمنظمات و الأفراد الذين يقودنها.و حينما تقول الكاتبة أن "افتقار الحركة إلى رؤية طبقية صحيحة لطبيعة السلطة الحاكمة في مصر، وأعربت عن ثقتها في وطنية تلك السلطة بمحاولاتها تقديم الوثيقة الطلابية إلى رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، ويعود الطابع الوطني لمطالب الحركة وغياب الرؤية الطبقية داخلها، إلى عدم وجود تلك الرؤية لدى الفصائل الستالينية ذات الطابع الوطني المهيمنة على الحركة. " فهي تستنتج الرؤية السياسية و الفكرية للفصائل من السلوك الجماهيري. و هو أمر مؤسف و غير ماركسي على كل حال. و لو طبقنا هذا على الحركات الاحتجاجية الآن لوصلنا إلي أن كل فصائل اليسار حاليا ليس لها فهم ألا فهم عفوي بدائي.
لقد كانت قيادة الحركة قيادة يسارية بشكل عام. و الزعيم المعترف به – ضمن كوكبة من القيادات - لحركة 72 هو المرحوم احمد رزة و هو يساري بشكل عام و ربما يميل للماركسية و لكنه قطعا ليس ماركسي. و تركيب القيادة كان لليسار الماركسي و الناصري . اما ما تسمية الكاتبة ب "اليسار الستالينى" فانا لا اعرف تعريفا له . لكن الحركة احتوت على فصائل تسمى نفسها تروتسكية و ان كانت محدودة التأثير. و سأتعرض لاحقا للرؤية الطبقية و السياسية للحركة
تتميز الحركة الطلابية - بحكم بقاء الطلاب كذلك بشكل مؤقت - إلي تذبذب في القيادة خاصة حينما لا تكون هناك منظمات شرعية تتولى قيادتها. لان القادة يتركون الجامعة و لا بد أن يظهر قادة جدد كي تستمر الحركة و ليس من المحتم أن يكون هؤلاء الجدد بنفس الكفاءة الخ.
و على عكس ما تقول به الكاتبة تميزت حركة السبعينات بالنضج السياسي - غير المتوقع بعد موات طويل منذ 52 - ولو قارنا مستوي النضج السياسي وقتها بمستواه الآن رغم أن هناك مستوي غير مسبوق متاح حاليا لحرية الحركة و الإعلام لقدرنا هذا النضج. بل يمكنني أن أقول انه للأسف لم يستطيع اليسار المصري حتى الآن - بكل فصائلة الستالينية و غير ذلك - تجاوز مستوي النضج الذي تحقق وقتها. و هذا يرجع لعوامل موضوعية و ليس لذكاء خاص في السبعينات
اهم تلك العوامل هو أن النظام الناصري علي الرغم من إسكاته لكل صوت ألا انه زرع أفكار معاداه الإمبريالية و حقوق الجماهير و حتمية الاشتراكية الخ. لذا فان كل صوت سياسي جديد كان يستفيد من تلك الأرضية التي مهدها النظام نفسة كما لابد من ملاحظة الدور الفكري الضخم الذي لعبته الثورة الفلسطينية بتقديمها لتصورات جديدة للعداء للإمبريالية و لحقوق الجماهير الخ . و في تلك الأثناء كانت الثورة الفلسطينية تتمتع بشعبية و وجود واسع و هذا احد أسباب طردها و مطاردتها من مصر. و سوف اسوق مثالين واضحين.
لم تطالب الحركة في السبعينات "بالحرب" و لكنها - كما قالت الكاتبة - طالبت بحرب التحرير الشعبية و لو أدركت الكاتبة الفارق بين الحرب و حرب التحرير الشعبية لعرفت أن ما تقوله عن "وغياب الرؤية الطبقية داخلها،" هو ببساطة لا يطابق ما حدث. المثال الآخر هو صياغه المطلب الديمقراطي الذي - كان حق الطبقات الشعبية في تشكيل أحزابها و تنظيماتها المستقلة - .و مرة آخري لو عرفت الكاتبة الفارق بين هذا و بين ما تسمية " المطالبة بالديمقراطية" لأدركت أنها أخطأت في فهم الحركة و لو اكتفت الكاتبة بالاستماع لاغاني الشيخ أمام – التي صيغت من قلب الحركة – لعرفت أن "غياب الرؤية الطبقية" هو فقط في مقالها و ليس في الواقع.
أما موضوع وطنية النظام الذي تثيره الكاتبة فلست أدري ماهو موقف الكاتبة من وطنية النظام أصلا. و هنا مرة آخري نحن أمام كاتبة لا تعرف ما الذي حدث و لا تحاول . هناك شبه أجماع بين فصائل اليسار على وطنية النظام الناصري. و أذا كانت الأستاذة سلمى تري غير ذلك فربما لانها لم تدرس هذه المرحلة من تاريخ الشعب المصري. و قد تحول ذلك النظام الناصري على يد السادات و حسب التعبير الشائع أيامها "عبر إلي الضفة الأخري من الوطنية". فنحن أذا أمام مرحلة انتقالية و حركة الطلاب في السبعينات هي تجسيد للمقاومة الشعبية لتبديل النظام لمواقعه. آي أن الحركة كانت أمام نظام ينتهي و نظام ينشأ و لا تستطيع الكاتبة أن تدرك تعقيدات مثل ذلك الوضع علي الصعيد السياسي. و لكن ضعف الرؤية لدي الكاتبة لا يقف عند هذا الحد بل يمتد لما هو أعمق. و هو عدم إدراكها للدور الفكري الذي لعبته الحركة في تغيير كامل منظور اليسار للنظام. لقد كان قطاعا كبيرا من اليسار يري ما يسمي ب "المجموعة الاشتراكية في السلطة" و يري "التحول للاشتراكية" و "سلطة البرجوازية الصغيرة" و كان الفضل لحركة السبعينات أنها قدمت مفاهيم من نوع رأسمالية الدولة و دحضت مفاهيم المجموعة الاشتراكية و التحول الاشتراكي و برهنت على الطبيعة البرجوازية للنظام الناصري. و لا ادعي هنا أن كل اليسار تبني مثل تلك المفاهيم لكنها أصبحت جوهرية في كل تأريخ فكري للمرحلة. ربما لا توجد فترة في التاريخ المصري حدثت فيها مثل هذه النقلة الفكرية الكبري منذ عرفت مصر الماركسية بما فيها وقتنا الحاضر. أن ما تقوله الكاتبة عن "غياب رؤية طبقية" هو ببساطة عبث ربما مفتاح فهمة في إضافة الستالينية لليسار. لكن مره آخري لا تدرك الكاتبة أن عليها التزام الأمانة و كذلك أدراك أن تلك الحركة هي ميراث للشعب المصري كله و خصوصا اليسار بكل فصائله.
تبدلات التركيب الطبقي و بروز اليمين الديني
تقدم لنا الكاتبة المفهوم المبتذل الشائع لتفسير صعود اليمين الديني في الجامعة و في مصر عموما. و بينما تلوم – دون حق – السبعينات لما تتصوره غياب رؤية طبقية تقدم هي نفسها رؤية لا طبقية لحدث بارز مثل بروز اليمين الديني في مصر. و هو ما يعكس عدم ادارك طبيعة التحولات الطبقية التي جرت في مصر في السبعينات و حتي الآن. بداية تقدم الكاتبة الوقائع علي غير ما جرت فعلا. فلم يتمتع اليمين الديني إلا بدور هامشي في الجامعة حتي بعد 77 علي عكس ما تقوله الكاتبة من أن يسارها الستاليني هو الذي احتفظ بدور ما " كان وجودا محدودا" حسب قولها. لا تستطيع الكاتبة أصلا أن تري الفارق الذي مثلته 77 في الحركة الطلابية. أما ما تدعيه من أنشطة لليمين الديني في الجامعة من نوع طباعه المذكرات فهذا خلط بين ما حدث بعد 77 و قبلها. الأهم أن الكاتبة لا تدرك حجم التحالف الذي نشأ بين النظام و اليمين الديني و هو التحالف الذي دشنه السادات بإعلانه أنه "رئيس مسلم لدولة مسلمة" و شعاره "العلم و الإيمان" وصولا لتعديل الدستور و إضافة مادة الشريعة بما في ذلك تعيين وزراء من الأخوان و السماح لهم بإصدار مجلة "الدعوة" بأشراف التلمساني التي كان همها مهاجمة اليسار ثم التدفقات المالية لليمين الديني من وراء الحدود و خصوصا من السعودية نزولا إلي التنسيق المباشر بين الجماعات الإسلامية و المباحث العامة. لا تدرك الكاتبة كل هذا و تتصور أن أشياء تكنيكية بسيطة هي التي سمحت لليمين الديني بالبروز و هذا ببساطة ابتذال لحركة كبري عصفت بالحياة السياسية و الاجتماعية في مصر و لا تزال.
علي أن التحالف مع النظام و الدعم المالي و الأمني لا تكفي لتفسير ظاهرة بروز اليمين الديني و هو بالمناسبة الذي تسمية الكاتبة "التيار الإسلامي" من لدية غياب لمفهوم طبقي هنا؟
أن صعود اليمين الديني مرتبط في المحل الأول بالتبدلات الطبقية التي شهدتها مصر و التي أثرت على حياة كل المصريين. تلك التبدلات التي تمثلت في الهجرة الواسعة لملايين المصريين للخليج و بدرجة اقل أوروبا و نشوء اقتصاد جديد عرف يومها باسم "الاقتصاد الموازي" لانه اقتصاد أعتمد علي الفساد و أستخدام أدوات السلطة و حرفيا مص دم الاقتصاد الحقيقي - يمكن الاطلاع علي كتب فؤاد مرسي و عادل حسين و رمزي ذكي لفهم التحولات التي جرت في تلك الفترة -. أدت تلك التحولات إلي شرخ في النظام الاجتماعي في مصر. فلم يعد العامل و الفلاح يتم تعريفهم بحسب الإنتاج و أنما بحسب مكان العمل في مصر أو في الخليج. و للتوضيح حجم تلك التبدلات فأن الريف المصري الذي كانت تغلب علية بيوت الطين اللبن أعيد بناءه بالطوب و الأسمنت علي النحو المشوه الذي نراه الآن في تلك الفترة. و الدولة المصرية نفسها تدفقت عليها أموال طائلة – الدعم العربي ثم الأمريكي و القروض – مما جعلها قادرة على أحداث انتعاش كاذب في الاقتصاد لا نزال نعانى من أثرة حتي الآن في صورة الديون. و سياسية التوسع في الإقراض لدول العالم الثالث كانت أحد الآليات الهامة لنظام العولمة و للهيمنة الإمبريالية و ثمة عديد من الدراسات التي بحثت هذه الظاهرة. و لو سألت الكاتبة نفسها لما تراجعت الحركة الجماهيرية نفسها بعد 77 بصرف النظر عن اليسار لأدركت مدي هشاشة التفسير الذي تقدمة لصعود ما تسمية "التيار الإسلامي" صعد اليمين الديني في الحياة السياسية و الاجتماعية في مصر ليس لآي دور خدمي بل لتحول المجتمع بأكمله لليمين بتأثير العولمة و ما صحبها من شرخ اجتماعي عميق في مصر. بل أن هذا الدور الخدمي لليمين الديني ما هو ألا عنوان على تدني القدرات السياسية و الفكرية لليمين الديني و أحتقاره للجماهير لا أكثر.
اليسار و حركة السبعينات
كما قدم اليسار للحركة الطلابية فى السبعينات رؤية سياسية و فكرية متقدمة و كما كشف لها طبيعة النظام الحاكم قدمت الحركة لليسار عددا كبيرا من الكوادر اليسارية التى تميزت – بفضل تواتر الحركة و اشتدادها – بكفاحية عالية . و لم يعرف اليسار منذ الاربعينات و الخمسينات مثل ذلك التحول. و حتي فى الاربعينات و الخمسينات كانت الحركة الطلابية هي مورد الكوادر المكافحين لليسار على اختلاف صنوفه. و لا يمكن قياس كفاحية يسار السبعينات بما نراه الان مرة آخري ليس لذكاء خاص في السبعينات و لكن لطبيعة الحركة التي افرزته و مثل نفس الشيء يقال عن حركة الاربعينات.
أين أخطاء اليسار
و بعيدا عن الفهم المبتذل "تراجع تأثير اليسار داخل الجامعة، نتيجة للتراجع النسبي للقضية الوطنية، التي كانت محورية بالنسبة لليسار وعلى رأس جدول أعمال الحركة الطلابية التي هيمن عليها" الذي تقدمة الكاتبة و الذي يجافي الواقع. تراجع تأثير اليسار بحكم نفس الآليات الاجتماعية و السياسية العميقة التي دفعت باليمين الديني للامام. و لو تساءلت الكاتبة لم تراجع اليسار في العالم كلة في نفس المرحلة ربما لحاولت أن تفهم حقيقة ما حدث. و لكن اليسار أيضا يتحمل جزء من اللوم و يستحق النقد المشدد. فلقد كان من المحتم أن يتراجع و لكن ليس من المحتم أن يتراجع إلي هذه الدرجة. أن المعضلة الأساسية التي واجهت اليسار هي فشله في أدراك التحولات التي كانت تجري أمام أعينه. تراجع اليسار لان مفاهيم من النوع الذي تقترحه الكاتبة هنا تفشت بين صفوفه بدلا من فهم طبقي حقيقي للتحولات الاجتماعية القائمة على قدم وساق. تراجع اليسار بسبب أنه لم يدرك أن عليه أن يعد نفسه للحظة مختلفه من الصراع يصعد فيها اليمين و تتراجع فيها الحركة الجماهيرية. و أنا أدرك أن الانتقال من حركة عارمه إلي سكون جماهيري أمر صعب ألا انه ليس مستحيلا. علي العكس كان رد فعل اليسار غالبا بعد 77 هو لوم النفس و الوقوع في نفس الخطيئة التي تقع فيها الكاتبة هنا و هو التعامل مع الحركة الجماهيرية كما لو كانت امتدادا لليسار. للأسف كان اليسار يلوم نفسه على تدني الحركة و لا يحاول أدراك لما تدنت بشكل موضوعي في المحل الأول. و يرتبط بذلك أن اليسار لم ينجح أبدا – و حتي الآن – في بناء منظمات ديمقراطية تسمح بالتعددية التي ربما تقي من مهالك الأفكار المسبقة. فلم يهزم اليسار في السبعينات و لكنه وجد نفسة فجأة دون جنود فأخذ يلوم نفسه أو يحبط بدلا من أن يبحث جادا لما و أين ذهب هؤلاء الجنود. و ربما لو كان يسار السبعينات درس جيدا يسار الخمسينات لكان في وضع اقرب للفهم. لكن للأسف كانت أحد أخطاء اليسار في السبعينات أنه عزل نفسة عن ميراث أباؤه مثلما تعزل الكاتبة نفسها عن ميراث السبعينات بكلمات من نوع الستاليني. و بدون ان يستوعب اليسار الآن درس السبعينات من المؤكد انه يقلل فرصه في النجاح.
لقد كانت الحركة الطلابية في السبعينات رمزا لمقاومة الشعب المصري لتحولات الطبقة الحاكمة و حينما سنتهي نفوذ اليمين الديني من الجامعات كما هو الحال الآن و يتقدم اليسار ستعود الحركة الطلابية الي مقدمة الحركة الجماهيرية المنادية بالتغيير الاجتماعي.
No comments:
Post a Comment